وأساس هذا الشك أن الرجل المعروف باسم شكسبير في التاريخ الصحيح أقل من أن تنسب إليه رواية من روايات المجموعة بجيدها ورديئها على السواء، وأن كل رواية من هذه الروايات أتم وأعلى من أن ينهض بها ذهن شكسبير، بما صح في التاريخ من دلائل ثقافته ودرايته ومقدمات استعداده. •••
وتعزى الحملة على شكسبير حديثا إلى بواعث بعيدة من تاريخ الأدب وموازين الثقافة:
تعزى إلى نزعة اجتماعية أو سياسية بلغت غايتها من العنف واللجاجة خلال الفترة التي حامت فيها الشكوك حول أصالة الأعمال المنسوبة إلى الشاعر، وهي فترة العراك بين الطبقات على حقوق الحكم وحقوق الانتخاب، وما ينطوي فيها من نزاع على المزايا والملكات التي يقال إنها تولد مع الإنسان، أو إنها قد تكسب ولكن بالتعليم والمرانة الطويلة وجريان العادة في العرف عقبا بعد عقب وذرية بعد ذرية، وقد كانت المعركة في وجه من وجوهها الماثلة للأبصار والبصائر معركة شكسبير دون غيره أو قبل غيره؛ لأنه علم العبقرية الأعلى بين القوم، فإذا جاز أن ينبت في غير بيئة الحكم والسيادة فليست مزايا الفكر وملكات الفهم حكرا للعلية ولا لطبقات الحكم والسيادة، وإذا سقط هذا العلم من أيدي الثائرين المطالبين بالحقوق فليس لهم علم سواه يغني غناه.
ولم يرد هذا الخاطر على الأفكار في العصر الحديث بغير مسوغ يوحيه، بعد تجدد المعركة في القرن العشرين على نطاق أوسع من نطاقها في القرن الثامن عشر، بل كانت له مسوغات كثيرة من موافقات الأحوال ومن مجرى الحوادث ومن مضامين الحملة على شكسبير، ومنها أن المتشككين في أصالته كانوا ينتهون دائما إلى نسبة أعماله إلى رجل من العلية يحمل لقبا كبيرا من ألقاب النبلاء، وأنهم عادوا بعد استضعاف القرائن التي تعزز نسبتها إلى لورد باكون؛ فنسبوها إلى واحد بعد واحد من طبقة النبلاء.
ومنها أن أنصار شكسبير في أمم القارة الأوروبية كانوا أوفر عددا وأرفع صوتا وأشد حماسة له من أنصاره في الأمة الإنجليزية، وكان الانتصار لشكسبير يساوق الانتصار للحقوق الاجتماعية أو السياسية التي احتدمت معاركها في أمة من الأوروبيين.
وآية الآيات في هذه العبقرية النادرة أنها كانت من سعة الأفق بحيث تنهض منها الحجة لكل طالب حجة في القضايا المتناقضة، ولا سيما قضايا التنافس أو التفاخر بين الطبقات، وقد بلغ من اتساع هذا الأفق أن يزعم أناس أن شكسبير لم تكن له نزعة خاصة في مسائل الاجتماع ونزاع الطبقات، وأن يزعم غيرهم أنه صاحب نزعة «أرستقراطية» في النظر إلى أحوال المجتمع وأحوال الحياة على عمومها، وأن يزعم غير هؤلاء وهؤلاء أنه يأبى هذه النزعة وينزع على نقيضها إلى الثورة واتهام ذوي السلطان، وكل هؤلاء الزاعمين ممن يسمع لهم رأي في هذه الأمور، ومن يستندون في رأيهم إلى وجه جدير بالتأمل والالتفات. •••
فالأستاذان الفرنسيان لجوي وكازميان
Legouis and Cazamian
يقرران في تاريخهما للآداب الإنجليزية أن شكسبير لم تكن له فلسفة اجتماعية يدين بها، ولم تعرف من كتبه نظرة خاصة إلى قضايا الاجتماع.
وجورج براند
صفحة غير معروفة