فقال الهوزني: إن المعتضد كان يعاقر الخمر ولم يسقط ذلك من هيبته في نظر الرعية، على أننا سننشر بين الناس جميعا أن مولاي كسر قوارير الخمر وأراق ما في دنانها، وإذا دعت الحاجة إلى كأس في مجلس أنس مستتر، فإن ذلك لا يعمل شيئا.
ابسط كفيك للناس، واعف عن هفواتهم، وأدخل السرور على قلوبهم، ودعهم يفرحوا بملكهم ويقولوا: إن أيامه كانت بهجة الأيام، وعصره كان زينة العصور.
فقال ابن عمار: أنا أحب هذا الكلام، وأنا أحب البهجة والسرور.
فقال المعتمد: إلى حين. فأسرع الهوزني قائلا: يا مولاي إلى حين.
ثم انفض المجلس، وخرج ابن عمار مع الهوزني، فمال ابن عمار إليه هامسا: ماذا تقصد أبا القاسم بهذه النصائح الغالية؟؟ - اسمع يا ابن عمار. أنا أعرف أنك رجل طموح، وأن نفسك الكبيرة الوثابة لا ترضى لك أن تكون ذيلا للمعتمد، وفيك دم الملوك، وفيك عزائمهم ... إن شبيهك المتنبي خاب في المشرق فلم ينل ولاية أو ضيعة؛ لأنه لم تكن فيه صفات الملوك ... أتعاهدني؟ - على أي شيء أعاهدك؟؟ - على ألا تقف في طريقي، ما دمت لا أقف في طريقك. أنت تريد أن تكون ملكا بالأندلس ولست بأقل من ملوكه منزلة وقدرا، وسأحتطب في حبلك وأساعدك على ما تبتغي، على شريطة ألا تعترض لي رأيا، أو تفند قولا، أو تفسد علي خطة، ولو أني علمت أنك فعلت شيئا من ذلك؛ لأشعلت الحرب ضروسا بيني وبينك ... أتقبل؟؟ - أقبل أبا القاسم.
ذهب الهوزني إلى منزله، فرأى في دهليزه فتاة متلففة لا يظهر من جسمها شيء، فلما رأته كشفت عن وجهها، فإذا هي أرماندا جارية المعتمد الجديدة، التي أهداها إليه الهوزني منذ أشهر، وهي في جمالها ورشاقتها ولطف حديثها وقوة سحرها، فتنة تنتهب القلوب انتهابا، وقد كلف بها المعتمد كلفا أنساه أو كاد ينسيه زوجته الرميكية. نظرت أرماندا إلى الهوزني وقالت: إني فهمت غمزتك حينما لقيتني اليوم بالقصر، وعرفت أنك تريد مقابلتي على انفراد في منزلك. - ذكية وحق عيسى بن مريم. - إنك لم تخترني للمعتمد عبثا، ألست تريد مني أن أفتنة بسحري عن كل شأن من شئون المملكة، حتى يضعف ملكه وتهن قوته؟؟ - نعم اخترتك لإبادة هذه الدولة الطاغية اللاهية؛ لتخلفها في الملك إحدى الأسر العريقة من المسلمين بإشبيلية. - أما من يخلفها، فلسنا الآن بصدده؛ لأننا اعتدنا في قشتالة، أن نعمل شيئا واحدا في وقت واحد.
فقال الهوزني متبرما: هذا يكفي، وقد دعوتك لأحثك على البدء بالعمل، واحذري أن يعرف مخلوق هذه الصلة التي بيننا، ثم احذري أن يراك إنسان خارجة من القصر أو داخلة بيتي. - إني أخرج دائما من باب القصر الخلفي، ثم إني ماهرة في أساليب الاختفاء.
غادر المعتمد مجلس ابن عمار والهوزني، وهو يخادع نفسه بالاقتناع بصحة أيهما، حتى إذا تنبه فيه العقل وهمست الحكمة، أسكتتهما صيحات الغرائز والشهوات فأخذ يقول:
أباح لطرفي طيفها الخد والنهدا
فعض به تفاحة واجتنى وردا
صفحة غير معروفة