غير أن الضاد ميم
وأنشد الداني قصيدة منها:
من بني المنذرين - وهو انتساب
زاد في فخرهم - بنو عباد
فتية لم تلد سواها المعالي
والمعالي قليلة الأولاد
والمعتمد في هذا الجمع الحاشد يهتز للمديح، ويرتاح للإطراء، شأن العربي الكريم؛ حتى إذا انفض الحفل دعا خزائنه أحمد العامري، وأمر بمئات من الدنانير لكل شاعر، ثم أمر بقدر واف من المال يوزع على كل معوز محتاج بإشبيلية.
ثم خلا بنفسه، ودعا إليه وزيره ابن عمار ومشيره الهوزني، ليبحث معهما في شئون الدولة، فقال ابن عباد: إن الأدارسة أعداء دولتنا، لا يزالون يتربصون بنا الدوائر، وينصبون لنا الشباك، وأرى أن نكون أصحاب الضربة الأولى حتى نلقي في قلوبهم الرعب، فإما أن يلقوا القياد مستسلمين، وإما أن يكونوا طعمة للنسور. فقال ابن عمار وهو يتطلع إلى أن يكون أميرا بإحدى مدن الأدارسة: يا مولاي: أنت اليوم أعظم ملوك الأندلس قوة وبسطة، وإن جيشا إلى مرسية يحارب بسلاح رأيك، ويقوده صنيعتك ابن عمار - كفيل أن يخترق أسوار المدينة في ساعة من نهار، وحينئذ اعترض الحديث الهوزني وقال: يا مولاي غفرا! إن لي غير هذا الرأي. إن الأندلسيين عامة، وأهل إشبيلية خاصة سئموا الحروب، وقد تيمنوا بطالعك، وقرءوا في وجهك آيات الخير والسلام، ولم يمض على وفاة المعتضد إلا أيام قليلة، فهب سنتين أو ثلاثا يا مولاي لعظمة الملك وإعلاء مراسمه، وللإغداق على الرعية وبعث روح السرور والبهجة فيهم. دعهم يفهموا أن ملكهم أريحي كريم، يطرب للهو كما يطربون، ويفرح بالملك كما يفرحون، بعد أن قضوا سنوات كبتت فيه نفوسهم ووجلت قلوبهم. دعهم يا مولاي يعرفوا أن المعتمد جمع صفات الحزم والقوة والذكاء، التي كان يتحلى بها أبوه، وأنه أضاف إليها اللين والسماح، وانبساط النفس، والتمتع بلذائذ الحياة.
فقال ابن عمار: أما إذا دعوت إلى التمتع بلذائذ الحياة، فأنا أول من يستجيب. - لذائذ الحياة التي أريد الأمير أن يتمتع بها، غير ما تفهم منها أنت.
فقال المعتمد: عزمت على ألا أشرب الخمر. فقال ابن عمار: هذا حسن، وهو يرفع من قدر الأمير في نظر الرعية.
صفحة غير معروفة