251

سلسلة علو الهمة - المقدم

تصانيف

دور جليس السوء في انحطاط الهمة
من أسباب انحطاط الهمة: مجالسة سافل الهمة من أبناء الدنيا؛ فإن سافل الهمة من طلاب الدنيا كلما هممت بالنهوض جذبك إليها، وغرك قائلًا: أمامك ليل طويل فارقد! وعن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك -يعني: يعطيك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)، متفق عليه واللفظ لـ مسلم.
فهذا حال الجليس الصالح وجليس السوء، فلابد أن تتأثر بالجليس شئت أم أبيت، فحذار من مجالسة المثبطين من أهل التبطل والتعطل في اللهو والعبث؛ فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري، وليس إعداء الجليس لجليسه بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه، وكما أن الأطباء يقولون: إن الأمراض تعدي وتنتقل، فكذلك الأخلاق أيضًا تنتقل بالتأثير وبالعدوى؛ لأن الطبع يسرق، فإذا أردت أن تجد لنفسك صفة معينة فصاحب واحدًا فيه هذه الصورة، فإذا صاحبت إنسانًا غافلًا لاهيًا عابثًا فإن هذا يدل على أنك تريد أن تنتقي نفس هذه الصورة، وهذا أمر مشاهد ومعروف.
وطرق العدوى ليست فقط الكلام أو الأفعال وإنما أيضًا تنتقل هذه العدوى بالنظر إلى أهل السوء وأهل البطالة، أو بالنظر أيضًا إلى أهل الهمة، فتنتقل هذه العدوى وهذا التأثير، وما سمعنا في الطب بعدوى تنتقل بالنظر، فهذا يعني أن هذا الداء أخطر من الأمراض الجسدية، وهذا الشيء محسوس، فإذا كان هناك مجمع من الناس فتثاءب منهم أحد فإن البقية كلهم يتثاءبون مثله، وهذا مما هو معروف فتنتقل العدى حتى بالنظر، والروح يكون لها تأثير على الروح التي تجالسها.
فالنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه، ومن الإنسان نستعرض هذا المعنى، فالنظر في صور الظالمين أو الفاسقين لابد أن يطبع تأثيرًا في القلب، ولذلك من رحمة لله بالإنسان أن يعافيه من النظر إلى التلفزيون وإلى صور الملوك والرؤساء والممثلين والفنانين ونحوهم، فهؤلاء لا تنظر إليهم، ومن سلامة لقلبك ألا تنظر، وإذا نظرت فلابد أن سيحصل عندك نوع من أنواع التأثير، ولذلك كن في عافية، وسد هذا الباب حتى لا تتأثر بأخلاق هؤلاء القوم.
فهذه أم جريج العابد دعت عليه ألا يموت حتى ينظر إلى وجوه الزانيات، كما في القصة المعروفة في صحيح مسلم، ونظر بالفعل، وأمه كانت ترى أن هذه عقوبة، ولذا دعت عليه بها، فدعت عليه بأنه لا يموت حتى يبصر هذه الفتنة والعياذ بالله! لأن هذا يضر بالإيمان والقلب، فلا تفعل كما يفعل الأسير الذي يفرح بالرق ويفخر به، ويفخر أن عنده دشًا، ويفخر أنه ينظر إلى التلفزيون والأفلام وكذا! فأنت تقتل نفسك، وتسمم قلبك، ولا تضر إلا نفسك، كما قال ﵊: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئًا)، فأنت المتضرر في الحقيقة.
فالنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه، ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظن بالنفوس البشرية؟! قال الشاعر: ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي

16 / 11