هذا إلى جانب براعتهم في فن الشعر والخطابة بحيث لم يسبقهم في ذلك غيرهم وإلى جانب انهم كانوا مضرب المثل في الشجاعة والجرأة ، والمهارة في الفروسية والرمي.
يرون الفرار والادبار في الحرب عارا لازما ، وصفة ذميمة يلام صاحبها بسببها اشد اللوم.
ولكن في مقابل ذلك كله كانوا يعانون من مفاسد أخلاقية تغطي على كل كمال عندهم ، وتنسي كل فضيلة.
ولو لا تلك الكوة المباركة التي فتحت عليهم من عالم الغيب ، لطويت صفحة حياتهم الإنسانية على القطع واليقين.
يعني لو لم تبزغ شمس الإسلام في أواسط القرن السادس الميلادي ، ولم تسطع اشعتها الباعثة على الحياة ، على عقولهم وقلوبهم لما رأيت اليوم من العرب العدنانيين اي اثر ، ولتكررت مقولة العرب البائدة مرة اخرى!
لقد حول فقدان القيادة الرشيدة ، وغياب الثقافة الصحيحة حياة العرب ، من جانب ، وانتشار الفساد والفحشاء من جانب آخر إلى حياة حيوانية مزرية حتى أن صفحات التاريخ تروي لنا أخبارا وقصصا مفصلة عن حروب دام بعضها خمسين عاما ، وبعضها الآخر مائة عام قد نشبت بين الاطراف العربية لأسباب طفيفة ودوافع تافهة جدا.
لقد أدى عدم سيادة النظام والقانون على الحياة العربية ، وعدم وجود حكومة قوية مسيطرة على الاوضاع ، توقف البغاة والمتمردين عند حدودهم ، إلى أن يعيش العرب آنذاك في صورة القبائل الرحل ، ويرحلوا في كل سنة إلى منطقة معينة من الصحراء التماسا للعشب والماء لانفسهم ولانعامهم ، فاذا عثروا على ماء وعشب أو شيء من آثار الحياة نزلوا عنده ، وأنزلوا رحالهم بجواره ، فاذا سمعوا عن وجود مكان افضل استأنفوا رحلتهم الصحراوية التماسا لحياة اكثر بركة ، وعطاء ، وأوفر خصبا وأمنا.
هذه الحيرة وهذا الضياع وعدم الاستقرار كان ناتجا من أمرين :
صفحة ٣٨