180

ثم يقول : ونحن لا نرى أن هذه الصورة التي افترضها الاستاذ الامام صورة الجدري أو الحصبة من طين ملوث بالجراثيم أدل على قدرة ، ولا اولى بتفسير الحادث ، فهذه كتلك في نظرنا من حيث إمكان الوقوع ، ومن حيث الدلالة على قدرة الله ، وتدبيره ، ويستوي عندنا أن تكون السنة المألوفة للناس ، المعهودة المكشوفة لعلمهم ، هي التي جرت ، فأهلكت قوما أراد الله اهلاكهم ، أو أن تكون سنة الله قد جرت بغير المألوف للبشر ، وغير المعهود المكشوف لعلمهم فحققت قدره ذاك.

ثم يقول : لقد كان الله سبحانه يريد بهذا البيت (1) أمرا ، كان يريد أن يحفظه ليكون مثابة للناس وأمنا وليكون نقطة تجمع للعقيدة الجديدة تزحف منه حرة طليقة في ارض حرة طليقة لا يهيمن عليها احد من خارجها ولا تسيطر عليها حكومة قاهرة تحاصر الدعوة في محضنها ، ويجعل هذا الحادث عبرة ظاهرة مكشوفة لجميع الانظار في جميع الأجيال ، ليضربها مثلا لرعاية الله لحرماته وغيرته عليها.

فمما يتناسق مع جو هذه الملابسات كلها أن يجيء الحادث غير مألوف ولا معهود بكل مقوماته وبكل اجزائه ، ولا داعي للمحاولة في تغليب صورة المألوف من الأمر في حادث هو في ذاته وبملابساته مفرد فذ.

وبخاصة ان المألوف في الجدري والحصبة لا يتفق مع ما روي من آثار الحادث بأجسام الجيش وقائده فإن الجدري أو الحصبة لا يسقط الجسم عضوا عضوا ، وأنملة انملة ، ولا يشق الصدر عن القلب!!

ثم ان « سيد قطب » يشير إلى علل تفسير هذه الحادثة الخارقة للعادة بالتفسير المادي العادي الطبيعي ، والمدرسة العقلية التي كان الاستاذ « عبده » على رأسها ، وضغط الفتنة بالعلم التي تركت آثارها في تلك المدرسة ، ونحن نكتفي بهذا القدر بالمناسبة ، وإشعارا بما يمكن أن يجنيه مثل هذا الاتجاه على مقولات الدين ومفاهيمه ومقرراته عن الأحداث الكونية والتاريخية والإنسانية

صفحة ١٨٤