السيف والنار في السودان

سلاطين باشا ت. 1351 هجري
162

السيف والنار في السودان

تصانيف

بعد أن غاب حامد عني بضع ساعات عاد وقربته مملوءة بالماء، ثم قال لي: «لقد سرني وجود الجمال في حالة أحسن بكثير من الحالة التي كانت عليها وقت وصولنا إلى ناحيتنا، وعلى الأقل هي في راحة كافية.» وبعد ذلك أظهر لي أنه في جوع شديد، ولم يكتم حاله؛ حيث قال لي: «أعطني كمية من البلح لأني جوعان، وسأضطر إلى العودة لقمة التل لمراقبة الناس.»

مر ما تبقى من يومنا في هدوء وأمن، ولكنه كان بطيئا علينا كيومنا السابق، وعندما جن الليل سحب كل منا شخصه إلى مكان النوم. وبعد أن تحادثنا بصوت خافت جدا بعد أن دعونا الله أن يبقي لنا نعمة الصبر، نام كل منا ملء جفنيه حتى صباح اليوم التالي.

ذهب حامد صباح الخميس إلى مكان المراقبة المعروف، وقبيل الظهر شاهدته نازلا بسرعة من قمة التل، فأسرعت إلى تجهيز بندقيتي.

قبل وصوله إلي سألته عن الخبر فأجابني: «إني أشاهد رجلا متجها بسرعة إلى مكاننا الأول الذي كنا فيه قبل مجيء علي واد فيض، فلا بد أن يكون هناك شيء مهم، فانتظر في مكانك لأني سأذهب لملاقاة ذلك الرجل، على أن أرجع إليك بعد ذلك.»

جلست في مكاني وانتظرت مدة خيل إلي - رغم قصرها - أنها الأبد الطويل، ثم رفعت بصري بحذر، فإذا بي أشاهد رجلين من مسافة بعيدة قاصدين مكاني، وقد تمكنت عيناي من تقرير أن القادمين هما حامد بن حسين وزكي بن بلال، فخرجت من مغاراتي، وحينذاك أسرع زكي قائلا بأعلى صوته: «السلام عليكم يا سيدي، فابتهج بالا لأنك ستسمع ما يرضيك ويسرك.» وبعد أن سلم علي يدا بيد قال: «حضرت ومعي جملان جديدان كاملا القوة، وقد خبأتهما في مكان أمين مجاور لبقعتنا هذه، وسأرجع الآن لإحضارهما.»

لم تمض ساعة حتى أحضر زكي الجملين، فقلت له بسرور كلي: «إنك سريع جدا في عملك العظيم، فأخبرني قصتك منذ غادرتنا.»

أجابني زكي: «غادرتك مساء السبت الفائت، فركبت جملي طول الليل وسحابة اليوم التالي - الأحد - وقد كان جملي بشارن موفقا في سيره السريع رغم وعورة الأرض، وفي صباح الإثنين وصلت إلى أصدقائي، وفي الحال عني أولئك الأصحاب بإحضار الجملين اللذين تراهما الآن، ولبعد المسافة لم نتمكن من الحصول على الجملين قبل صباح الثلاثاء، فغادرت المكان وقت الظهر وسرت سيرا بطيئا في عودتي حتى لا أتعب الجملين، وتأكد أنا نستطيع الآن مباشرة رحلتنا. وقد سهوت أن أخبرك بأن أصدقائي، بعد أن تكلموا معي، ذهبوا إلى الخيمة القائمة على رأس الصحراء لإعطاء التعليمات لرجال مخصوصين للاستعداد وقت الطلب، وقد أخبرتهم بأنا قد نصل إليهم مساء الجمعة أو بعد غروب الشمس يوم السبت على أقصى تقدير.»

سألت زكي بن بلال بعد ذلك: «هل أحضرت معك خبزا؟ فإنا لا نملك من الطعام سوى كمية من البلح.» فأجابني: «إني شديد الأسف لنسيان ذلك الأمر الحيوي، وقد يرجع ذلك إلى عجلتي الشديدة.» فهونت عليه الأمر عندما شاهدته مطأطئ الرأس وقلت: «لا أهمية للخبز لأنا نستطيع إتمام رحلتنا القصيرة هذه حتى دون الاستعانة بشيء من البلح.»

قال حامد لزكي: «أسرج الجمل الخفيف اللون، ثم اذهب مع صديقنا وأخينا إلى الصخرة العميقة واسق الجمال ماء، ثم انتظرني هناك، وأما أنا فسأحمل السرج على ظهري وأسير وراء جملي، الذي يستطيع بعد راحته أن يقطع المسافة القصيرة الباقية لغاية تلك الصخرة. ولكن أرى من الخير ألا تذهب مباشرة إلى عين الماء، بل عليك أن تختفي في بقعة مجاورة حتى تصل إليها؛ فمن المخاطرة أن تسير مباشرة إلى مكان الماء؛ لأنا لسنا موقنين بأن المكان غير مطروق بأقدام الرعاة؛ ففي الأرض جمال كثيرة تحتاج إلى الماء.»

سرت مع زكي وفي يدي قيادة أحد الجملين قاصدا معه (زكي) الصخرة التي تنبسق منها المياه، ثم اختبأت في مكان أرشدني إليه رفيقي.

صفحة غير معروفة