أقول: إن الحديث النبوي يجب قبوله من كل مسلم متبع للرسول - صلى الله عليه وسلم - لعموم قوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وليس علينا إن عملنا بما أمرنا الله تعالى من وجوب تلقي ما جاءنا من الأخبار الصحيحة من بأس، إنما الحجة على من رد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعله وراء ظهره، وقد كان أمير المؤمنين الخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حجة على القاضي لقبوله ما جاء من الأخبار عن غيره من الصحابة كما ذلك معلوم لمن عرف التواريخ والسير والأخبار، فكان الواجب على القاضي اتباعه والتسنن بسنته في هذا الأصل، ولا يخفى ما في اتباع السنة المتواترة وأن ردها إنما كان لمخالفي علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الخوارج والرافضة الذين ردوا كلما جاء من غير طريق الاثنى عشر أئمتهم، والاثنى عشر رضي الله عنهم ما رووا إلا اليسير من الحديث الذي قد دخل في رواية أهل السنة دون ما تفرد به الإمامية عنهم، فلا يقبل، إما لعدم الإسناد لهم أو لضعف الوسائط.
قوله: ومن أعظم ما يتطاولون به: القدح بالإرسال، وعدم نقد الرجال، مع أن كتب الجرح والتعديل وأصوله التي هي قاعدته لا يرى فيها عن المشايخ إلا الشاذ والنادر إلى آخر كلامه.
أقول: لو أنك قرأت كتب الحديث، ولقيت شيوخهم، وسألتهم، ورحلت إليهم، أو وقفت على مصنفاتهم؛ لرأيت الإسناد في نقلهم للجرح والتعديل مسطورا بينا ظاهرا، لكن قصرت الهمم لكثير من المحصلين وإلا فإن أصول كتب الجرح والتعديل مسنده بالرجال غير مجهول ككتاب أبي حاتم في الضعفاء، وابن حبان، وتاريخ البخاري الكبير، وتاريخ بغداد للخطيب، وتاريخ دمشق لابن عساكر، والضعفاء للعقيلي، والكامل لا بن عدي، والدار قطني وغيرهم من المحدثين ولله قول الشاعر:
صفحة ٦