وأما باعتبار كثرة الثواب ونيل الدرجات في الآخرة فلا يدرى أن الأول خير لكثرة طاعته وقلة معصيته أم الآخر لإيمانه بالغيب طوعا ورغبة مع انقضاء زمان مشاهدة آثار الوحي وظهور المعجزات وبالتزامه طريق السنة مع فساد الزمان انتهى وفي "شرح مصابيح البغوي" للعلامة فضل الله ما لفظه: لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر فإن القرن الأول المفضلون على سائر القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم إنما المراد نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة والمطر ينبت الزرع في الأول ثم يربيه عند استوائه على سوقه في الآخر فلا يدر أنفعه في الأول أجدى أم في الآخر فكذلك هذه الأمة أقام الدين منهم الأولون ومهد قواعده الآخرون الآخرون انتهى كلامه.
وفي شرح الشهاب للشيخ إسماعيل الحضرمي الشافعي ما لفظه: فإن قيل ما وجه الإجمال في قوله: لا تدري مع ما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة تفضيل صدر هذه الأمة على من بعدهم كقوله - صلى الله عليه وسلم - خير الناس قرني ثم الذين يلونهم الحديث وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وصرح به القرآن في غير آية كقوله تعالى: { والسابقون الأولون } [التوبة: 100] وقوله تعالى: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } [الحديد:10] إلى غير ذلك.
قلنا: كلها صحيحة لا تناقض فيها.
وقوله: "لا تدري" أي: بالرأي والاستنباط بما أخبر به عن الغيب ليشمر المشمر في درك من تقدم كما ذكرنا في خبر موته ليعود ابن مريم في أمتي كذا .
صفحة ٥٣