وقد قررناه في مصنفاتنا أن الأخبار في الشفاعة محتملة للمحسنين المؤمنين لصغائر الذنوب فإن كثيرا من العلماء قال يجوز العقاب على الصغائر منهم سعد الدين في شرح العقيدة النسفية قال لأن فائدة قوله تعالى: { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [الكهف:49] فليس فائدة الإحصاء إلا ذلك وكذا البيضاوي في تفسير سورة الأعراف عند قوله تعالى: { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [الأعراف:23] وهو من الشافعية ومثله قرره أيضا صاحب الحواشي السعدية على تفسير البيضاوي وهو من الحنفية واختاره الإمام شرف الدين فحينئذ كانت دلالة الأخبار ظنية محتملة لذلك فلا تتم الحجة القاطعة وأيضا إن الإتفاق بما يحصل من التشديد على حسب الأعمال ورحمة العزيز الغفار لمن يشاء فأما أهل الكبائر فأدلة الوعيد ظاهرة لهم في نار جهنم إذا لم يتوبوا قبل موتهم أعني الوعيد المعين على الكبائر إلا العام فإنه ظني كالأول.
وأما حديث الترمذي الذي ذكره فقد قال الحافظ أبو بكر في "عارضة الأحوذي شرح الترمذي" ما لفظه أخرج أبو عيسى عن حماد بن يحيى الأشج عن ثابت البناني عن أنس واختلف في حماد الأشج فقيل حماد الأشج ليس بشيء وقال أبو عيسى كان عبد الرحمن بن مهدي يثبت حماد الأشج ويقول كان من شيوخنا الأصول اعترضوا على هذا الحديث فردوه بقوله تعالى: { والسابقون } [الواقعة:10] وبقوله سبحانه وتعالى: { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } [الحديد :10] وقال - صلى الله عليه وسلم - : (مخاطبا لبعض الصحابة في بعضهم لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) فأنى يستوي أول هذه الأمة وآخرها.
صفحة ٥١