ثم قال: وإن كان المرجع إلى الرجال؛ ففي كل من رجال الفريقين أقوال منها الحق ومنها الباطل، فقال يحيى بن معين في الشافعي: ليس بثقة، وأن أبا زرعه ضعف البخاري، وقالوا في مالك: روى عن جماعة يتكلم فيهم، وأن صاحب "الميزان" وغيره قد ضعف كثيرا من رجال البخاري ومسلم.
ثم قال: وهم لا يرتابون في القبول ولا الرد؛ لصحة المعنى وبطلانه، ولذلك صححوا أحاديث الجبر والتشبيه ونحوها مما يصادم كتاب الله تعالى في صريح القول.
أقول: إن في هذا ما لا يخفى من التساهل؛ إذ أهل الحديث من المسلمين وليس ما رووه يحل رده جميعا، إذ الواجب على كل مكلف الإنصاف من نفسه، ولا يحابي في دينه، بل الواجب قبول ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل حال، قال الله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ويقول: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } [النور:63].
ولا شك ولا ريب أن أكثر السنة في الأحكام وغيرها دائرة على المحدثين بالضرورة، ولو قلنا بمقالة القاضي بن سعد الدين للزم تعطيل الأحكام الشرعية بالمرة -والعياذ بالله- ولأدى ذلك إلى رد الأخبار الصحيحة المشهورة والمتواترة، وهذا لا يقول به من له أدنى بصيرة وإنصاف من نفسه، فالحق أحق أن يتبع، والله عند لسان كل قائل.
إن قيل: إن قد نقم السيد الهادي ابن إبراهيم الوزير بأشياء توافق القاضي صاحب هذه الرسالة، وذلك في كتاب السيد: " إزهاق التمويه" حيث قال، أول كتابه:
ومجتهد في ذم قوم أكارم
وقال: يقولون لا فضل لعلي فوق غيره.
وقال:
وإن ذكروا يوم الغدير تأولوا
وقال: وهم أنكروا حصر الإمامة في بني البتول.
وقال: وهم أبطلوا الإجماع من آل محمد.
وقال: وهم أنكروا لعن ابن هند وسبه.
وقال: وهم أنكروا إسناد يحيى وقاسم.
صفحة ٣