كل منا يريد التفلت من شباك الردى ليطيل الجلوس في مأدبة العمر مراقبا مناظر الطبيعة، متسقطا أخبار العالم، نائلا حظه من التنعم والتلذذ، ومن التوجع أيضا. ولكم متن قيد الألم حتى تجاوزه الفل، بينا قيود الحبور مقطعة الأوصال، لا تفتأ تصهر مادتها لتستحيل ألما ذا طعم جديد.
كذلك أخذوا يبحثون عن «عين الحياة» التي أوجدها زفس
1
فوصفها أحد علماء الجغرافيا وصفا ... جغرافيا، وارتأى كاتب روائي أنها تأتي من النيل ومن أنهار الفردوس الأرضي، وأن قطرة منها تعيد إلى العليل صحته وإلى الشيخ شبابه. ومضى يطلبها رحالة إسباني فاكتشف مقاطعة فلوريدا، وهي من الولايات الأمريكية المتحدة. وانحنى الكاباليون على الصهور الكيماوي يبحثون عن مادة الشباب فتبارى بايكون، وسن جرمان، وكاليوسترو في تركيب «إكسير الحياة»، وتعددت الكتب الدالة على وسائل إطالة العمر وحفظ الشباب. ومتصفح جريدة «السائح» النيويوركية ومجلة «الأخلاق» يرى هناك إعلانا عن كتاب «الاكتشاف الثمين لإطالة العمر مئات من السنين» بقلم الدكتور لويس صابونجي السوري الذي كان سكرتيرا ثانيا للسلطان عبد الحميد وأستاذ التاريخ لنجله البرنس برهان الدين.
وها أخذت تهتم الدوائر العلمية بمباحث الدكتور فرونوف وتجاربه الدائرة حول استبدال الغدد المتداخلة بين الأنسجة بغدد جديدة تستخرج من الحيوانات. ويقال إن النجاح باهر يحول الشيخ شابا بلا وجع ولا ألم، بل بحقنة بسيطة تحت الجلد.
إلى هنا وصلنا من طمعنا الأكبر. وحسن أن يستعيد المرء شبابه وأن يحفظه طويلا، ولكني لا أرغب في إبعاد الموت عن البشر.
لقد وصف الكاتب الإنجليزي «سويفت» في كتابه «رحلات جلفر» حال قبيلة استرالدبرج المحتم عليها أن تعيش دواما، فقال إن أعضاءها يصرفون المئة سنة الأولى وشأنهم شأننا نحن النوع الآدمي، حتى إذا تجاوزوها أصيبوا بكآبة يائسة وساورتهم الهموم والغموم. ينادون الموت فلا يلبي نداءهم، ويجدفون على الحياة كلما شهدوا موكب جنازة، ويمقتون الطبيعة التي حرمتهم لذة الموت وهناء الاستسلام إلى الراحة الدائمة.
وأي نصيب أمر من هذا؟
ألا إنما قيمة الحياة في رهبة الموت الذي هو جزء منها. وإذا أدرنا البصر في أحوال الناس ورأينا تلك الوجوه السقيمة، والأجسام المشوهة، والأعضاء البتراء، ورأينا ذوي العاهات الأخلاقية الذين ينزلون في المجتمع المصائب والأوصاب ويظلون عالة عليه طول حياتهم، إذا رأينا ذلك أدركنا ضرورة الموت وعرفنا فيه محسنا كريما.
ثم، أي اسم غير اسمه يخفف من حزن الحزين؟ وأي خيال غير خياله يلطف من يأس الآيس؟
صفحة غير معروفة