كسروا الأقلام ومزقوا الطروس، إنما هذا موقف لا تأبين فيه بغير حزن الجماد ولوعة النفوس.
أحزن الجماد، لا زلت للأفئدة مفطرا ما طرحت عبر الزمان الجبابرة على حضيض الهوان! ألوعة النفوس، لا زلت لاذعة ما بترت سلسلة الآجال واعتلت حركة القلوب! أآثار الحياة، لا زلت عالية كآمال المنى وسواد العيون ما ذوت الآمال بالمتأمل وما بيض سواد الموت سواد العيون! أأعمدة بعلبك، لا زلت مهشمة، صامتة، منحنية ، كئيبة ما سعى دبيب المنى في زوايا المهج وتمايلت أشباح الآلام والأوجاع طي القلوب والصدور!
إذا هزأ الدهر بهذه الجدران المنيعة، فماذا أنتم من الدهر منتظرون؟ إذا مرت قدم الدهر على هذه المتانة الحصينة فهرستها هرسا، فماذا تعني بعد ذلك حركة قصبتكم الضئيلة ونقش طروسكم البالية؟ أين من المسافة موضعها وما هو من الخلود نصيبها؟
ضموا إلى شفاهكم الأقلام وإلى قلوبكم الطروس، دعوها تنطق يأسا وحبا باسم قلعة بعلبك. ثم حطموها وإن عزت، ومزقوها وإن كانت شطرا من الأرواح.
الزمان يتابع المسير فويلا لتربة تدوسها قدمه! هناك تزلزل الزلازل، وتهدم السدود، وتطغى البحار، وهناك يشعر الإنسان بأنه عبد لحظات الأقدار وأنه لا يعرف من أسرار الأرض غير اسوداد الليل وابيضاض النهار ...
قتل النفوس
أبريل سنة 1913
رأيتها تنظر إلى الأشجار بعينين كئيبتين، وشفتاها مطبقتان كأن قبلة الأسف طبعت عليهما. كانت لي رفيقة في الصغر: تعلمنا شهورا في مدرسة واحدة، ودرسنا أمثولة واحدة، وسمعنا إرشادا واحدا، وكبرنا فكانت تلك العلاقة الواهية متينة بيننا.
قلت: «ما لي أراك حزينة؟»
قالت: «يحزنني الربيع.»
صفحة غير معروفة