ولا شك أنك قرأت الكثير من القصص القصيرة فهي تطالعك في الإذاعة، وتطالعك ممثلة في التليفزيون، وتطالعك مكتوبة في الجريدة والمجلة والمجموعة القصصية. ولا شك أنك أدركت بحسك ما الذي يجعل القصة القصيرة جيدة، وما الذي يجعلها سيئة. دعنا الآن من القصة الحديثة؛ فهي لا تمثل قاعدة يمكن أن نتكلم عنها. كما أنها لا تمثل مضمونا مفهوما يمكننا من الحكم عليها؛ فهي تنظر إلى الغرب في موجة طغت على الغرب وبدأت تنحسر عنه، ولكن الشباب من أبناء اللغة العربية أخذوا بها. كما أخذو بالشعر المرسل والملابس النسائية للرجال، وملابس الرجال للنساء .. وكتبوا القصة غير المعقولة تشبها بالغرب، وأوشك أن أكون على يقين أنهم لا يفهمون ما يكتبون، فما علينا نحن قراءهم إذا لم نفهم ما يكتبون.
لنتكلم إذن عن القصة القصيرة المفهومة، ولا أحب أن أقول التقليدية؛ فقد دخل على القصة القصيرة كثير من التجديد لم يطمس فيها معالم المضمون ولم يجعلها ثابتة على صورتها الأولى؛ فالحداثة فيها حداثة فنية لم تطغ على معناها، ولم تزل عنها معالم الفهم. يقولون إن من أهم شروط هذه القصة وحدة الزمان، بحيث لا يتطاول الزمان تطاول الزمن في الرواية؛ فالمفروض في القصة القصيرة أنها حادثة صغيرة على جانب عظيم من الأهمية بحيث تلفت نظر الكاتب، وتجعله يسجل هذه الحادثة، فهي إذن لمحة من الحياة يمسك بها الكاتب، ويمنعها أن تسير مع تيار الزمن العادي، فهو يثبتها ويضع لها لإطار الفني فتقف ولا تصبح نقطة عادية من تيار الزمن السائر الرتيب، الوضع الذي يمضي فلا يحس به أحد؛ ولهذا فوحدة الزمن توائم فكرة اللحظة الفنية التي تلفت نظر الكاتب.
ويقولون إن الشرط الآخر هو وحدة الموضوع؛ فحين تسمح لك الرواية أن تتناول جوانب عدة من الحياة ، لا تسمح لك القصة القصيرة إلا أن تتناول جانبا واحدا من الحياة تركز عليه اهتمامك وتبلوره، حتى إذا وضع الإطار القصصي أصبح واضحا جليا لا يختلط بموضوعات أخرى تطغى عليه، وتطمس الأهمية التي لفتت نظر الكاتب حين اختاره ليكون موضوع قصته.
ويقولون إن القصة القصيرة يجب ألا تكون كثيرة الأشخاص؛ فالقصة القصيرة لا تسمح لشخص يظهر فيها إلا إذا كان مهما غاية الأهمية بالنسبة للحدث. وإذا ظهر فلا بد أن يظل موجودا في القصة حتى تنتهي، في حين أن الرواية تسمح لك أن تتعدد الأشخاص، ما شاء لها أن تتعدد، وتسمح للشخصية أن تمضي لشأنها إذا أدت دورها فلا تعود للظهور مرة أخرى.
ويقولون إن القصة القصيرة يجب أن تكون ذات بداية وقمة ونهاية، تلك النهاية التي يسميها بعض النقاد لحظة التنوير، وهي اللحظة التي تدرك فيها لماذا كتب الكاتب القصة جميعا.
يقولون إن القصة القصيرة يجب أن تكون مركزة غاية التركيز في تعبيراتها، بحيث يكون كل تعبير ذا أثر في تطور القصة. وإن كان بعض الكتاب العرب يحبون أن يجملوا قصصهم بالأسلوب العربي الرشيق ناظرين إلى كثرة المترادفات في لغتنا، ضاربين صفحا عن هذا الشرط من شروط القصة.
تلك هي في إجمال أهم شروط القصة القصيرة .. انظروا إذن هذه المعجزة في هذه القصة القصيرة:
رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله
4
للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم (سورة الصافات: من آية 100-107).
صفحة غير معروفة