المعنى:
بعد أن حث نفسه، ورغبها في التحول والتنزه عن نادي قومه , والتنقل , التفت إليهم مخاطبا وقائلا بالصواب: ولي غيركم أهالن متعددة لا يروعني بينهم المصاب , الذئب السريع القوي على السير , والنمر الأملس , والضبع , الألى لا تمكث على الضير , ولا تظنوني إذا فارقتكم لا أجد عشيرة وأصحاب , بل إن لي من الوحوش والأناسي قرابات متعددة وأحباب (1).
وكان مراد الناظم من الإبتداء إلى ما يتوصل إلى الانتهاء إعلام قومه أنه غير محتاج إليهم , ولا إلى غيرهم من الناس , في الإعانة , والإغاثة , والمأكول , والمشروب , واللباس , فبين لهم أنه يخالط الوحوش [14ظ] ويصبر على الجوع , والحر , والبرد , وإذا ظمىء يسبق القطا الكدري إلى الورد , ومع ذلك لا يترك غاراته ويرتاح , إلى غير ذلك من الصفات في المساء والصباح (2).
تنبيه:
في التعبير بلفظ الملحق بالجمع , للإشعار بأن كل نوع أهل على حدة , وخص هذه الأنواع الثلاثة دون ما سواها من الوحوش: كابن آوى , والثعلب , لأنها مما لا تليق بالمخالطة , هكذا ذكر السويدي -رحمه الله تعالى - في شرحه (3) , وتعليله بالمخالطة فيه نظر , فتدبر.
وأما ما فوقها , كالأسد , فلا يظن به التجاء إلى من هو أقوى منه , فيكون هاربا من ذل إلى ذل , ومن ضيم إلى ضيم , فيقع مما فر منه , ولأن الأسد لا يألف أحدا , لزعمه أن ليس له كفء , هذا على تقدير أن لا يكون معنى السيد الأسد , وأما إذا أريد به الأسد كما هو أحد معنييه , فلا يحتاج إلى التأويل. وفي البيت إشعار بأنه لم يجد خيرا من قومه فيوألفهم , فلذلك اختار الوحوش , وموالفتها أمر ممكن بالواقع , ويحتمل أنه نفر من نوع الإنسان , إذ كل واحد من غير قومه يجوز عليه ما جاز على قومه.
صفحة ١١٦