ويؤيد هذا أن الصحابة - باتفاق الجميع - ليسوا على وتيرة واحدة من الفضل والاستقامة، فمنهم: السابق المتقدم الذي نال شرف المعاناة في سبيل الله، والهجرة مع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والجهاد بين يديه، والبذل والعطاء والتضحية. ومنهم: اللاحق المتأخر الذي دخل الإسلام بعد أن صار أمرا واقعا لا ينكر، وحصنا منيعا لا يقهر، وقد ميز الله بينهم بقوله: ?..لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير? (الحديد/10).
وإذا كان قد ورد في القرآن ما يشيد بمكانتهم ويرفع من شأنهم على جهة العموم، كقول الله تعالى: ?والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم? (التوبة/100)؛ فإنه قد ورد ما يدل على لوم بعضهم على خطأ أو تقصير، كقوله تعالى: ?..حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة..?(آل عمران/152). ففيهم الفاضل والأفضل، وفيهم المقصر والمسيء، كل على حسب ما ثبت عنه من مواقف وتصرفات، إذ لم يرد في الشرع ما يدل على عصمتهم، أو استثنائهم من التكليف العام لسائر الناس، وسيجثو الجميع بين يدي لله للحساب، ?فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9)?(القارعة).
صفحة ٢٤