أما الخطوة الثانية فقد كانت بعد ذلك بشهور قلائل، فلأمر ما غضب حسين من إقبال فطردها من منزله، وأوت إقبال إلى منزل خالتها بضعة أيام، ثم انتقلت إلى منزل شقيقتها، ولم تجد غير ما وجدته عند خالتها من فتور وجفاء، فلم تلجأ إلى حسين توا، وإنما لجأت إلى أحد أصدقائه وإلى صديق ثان، ثم إلى صديق ثالث، وتجمع أصدقاء حسين عليه يدافعون عن حق الفتاة المهضوم، وشرفها المضاع ...
قال أحد أصدقائه: إنه ليس رجلا إن ترك إقبال تتضور، وهو الذي خرج بها من مدرستها، وفرق بينها وبين أهلها ...
وقال الثاني: أنه لو كان منه لما تردد في الزواج منها لحظة.
وقال الثالث: إنه يستطيع أن يحتفظ بها في منزله، ثم يعيش بعد ذلك الحياة التي يريدها ...
وكان الثالث أقرب أصدقائه إلى منطقه ... منطق الرجل ذي الخامسة والثلاثين الذي أشرقت له الحياة، وطلعت عليه شمسها بالدفء، الحياة التي يريدها خارج المنزل، والزوجة التي يريدها رجل في مثل تحرره وانطلاقه، إن إقبال فعلا هي مثال هذه الزوجة، وهل تستطيع أن تكون غير ذلك؟ غير الزوجة من الجانب المادي البحت؟ المرأة التي تعمل بالنهار في المنزل، وتأوي آخر الليل قريبا من الفراش تنتظر بجوار النافذة عودة السيد؟
لقد عاش حسين سيدا فعلا، إذا كان السيد هو الرجل الذي يملك كل الحقوق وتخطئه كل الواجبات ... كما عاشت إقبال الرقيق الذي يشتريه الرجل بمغامرة في الغابات، أو بدفع ثمنه نقدا على يد مأذون.
وكانت إقبال من النوع الأول، رقيق مغامر، صك امتلاكه غير مكتوب.
حتى جاء يوم نقل فيه حسين إلى وظيفة تفرض في صاحبها حسن السمعة، فقضى فيها عاما يقدم فيه إقبال إلى أصدقائه على أنها زوجته، فلما لم يجد غضاضة على مسمعه من تلقيبها بالزوجة، ذهب بها يوما إلى المأذون، وعاد بها زوجة شرعية، قد تم تدريبها على أن تقوم بدور الرقيق الذليل ...
ولم يغير عقد الزواج شيئا من أوضاع البيت، فقد ظلت إقبال في مكانها على هامش حياة حسين، والسهم الأخير في جعبة غرائزه، والمخلوق الأخير الذي يفكر فيه ...
وكان الذين يعرفون حسين جيدا يدركون مسرحياته المزدوجة، حياة الزوج الذي يعيش كالغراب، أما الذين لا يعرفونه فكانوا يرون في إقبال زوجة مثالية يحتاج إلى مثلها كل زوج متحرر يحب الانطلاق.
صفحة غير معروفة