وهو يذكر أول مرة رأى فيها ابنة أفكار، كان يزورها كعادته فإذا بها تنادي سامية ... ودخلت سامية صبية في العاشرة أو الثانية عشرة على أكثر تقدير ... دخلت فحيته في حياء، ولم يكن بحاجة ليعرف أنها قريبة لأفكار؛ فقد كانت في وجهها صورة من أفكار يتدفق منها جمال الطفولة المتأخرة، ولكنه فوجئ حين قالت أفكار. - سامية! ... بنتي ... لعلك لم ترها من قبل ... وعرف أنها ابنتها، وليست قريبتها فحسب ... وعرف أيضا أنها كانت عند أبيها طوال طفولتها، ولكنه لم يعرف لم جاءت لتقيم مع أمها، وقد كان المعقول أن تقضي طفولتها مع أمها، ثم تذهب لأبيها حينما تكبر.
لقد رأى سامية بعد ذلك مرارا، ولكنه ما أعارها من التفاته أكثر مما يعير طفلة أو حيوانا صغيرا إلينا في المنزل ...
إن سامية هي الهامش الوحيد الذي يقفز من مقدمة القصة ليتوسط المنظر الأول فيها ... ولولا أنه يحتفظ لنفسه بالدور الأول لكانت البطلة .
ولندخل توا في القصة، ولنجلس معه هو وسامية في شرفة الفيلا ... عصر أحد الأيام من شهر مايو عام 1949 ...
ولنسأله لم جاء اليوم ... ولم يجلس مع سامية، وأين أفكار؟ إنه يقول: ما دار بخلدي قط أن آتي إلى دار أفكار اليوم، ولكن سامية هي التي دعتني.
وهو يحس بتشككنا في صدق كلامه، فيقول: أجل ... سامية هي التي دعتني، لقد سافرت أفكار إلى لبنان مع زوجها الجديد منذ أيام، وكنت قد لقيتها هي وسامية في أحد المتاجر قبل سفرها بأيام فأوصتني بسامية، وطلبت إلي أن أزورها لأطمئن على أحوالها.
ولم أحاول أن أتصل بها، أو أسأل عن صحتها، حتى كان ضحى اليوم، وكنت جالسا إلى مكتبي، ودق جرس التليفون ... آخر مخلوق كنت أتوقع صوته هو سامية ... بل إني لم أعرف أولا صوت المتكلم، وكانت هي تعاتبني لأني نسيت وعدى لأمها.
فقلت لها: سآتي اليوم ... لم أقل شيئا ... هي التي قالت ... قالت إنها تريدني لأمر هام، وسألتني ماذا أفعل اليوم، فقلت: لا شيء، فطلبت مني أن أزورها إن أمكنني بعد الظهر ... وما المانع؟ فتاة في سن الثامنة عشرة لو أني تروجت لأنجبت مثلها.
ومررت على «جروبي» فاشتريت قليلا من الحلوى، وجئت لأزورها، وها أنا ذا أجلس إليها، كما يجلس الأب إلى ابنته.
ذلك صحيح ...
صفحة غير معروفة