كان يعرف عبد المجيد هذا؛ فقد لقيه أكثر من مرة في حانوت عم محمود ... كان شابا أنيقا وسيما كثير الحديث عن مغامراته وغزواته، وكلها في ميدان المقامرة والنساء، وكان قد تعود أن يبادله الدعابة بأن يسأله عن مغامراته فيغضب عم محمود، ويعلن عن غضبه بتأنيب عبد المجيد بك في رقة كلما روى مغامرة قائلا: حرام عليك يا عبد المجيد بك ... أليس لك نساء ... الله يهديك؟
ويمضي عبد المجيد بك في سرد مغامراته ضاحكا من عتاب عم محمود، فإذا ما انتهى من حلاقة ذقنه قال، وهو يضحك في مرح: عم محمود أصله راجل طيب ... مش عايش في الدنيا.
وكانت هذه الجملة تجد صداها دائما في نفسه هو ... الذي طالما حيره أمر عم محمود ... إنه رجل لا يعيش في الدنيا.
وبدأ عم محمود ينثر على وجهه قطرات الكولونيا، وقال عبد المجيد: أتعرفون كم ربحت اليوم؟ سبعين جنيها ... بعشرين قرشا.
ومر عم محمود بهذا الخبر، وكأنه لم يسمعه، أما هو فقد سأل في اهتمام: في المقامرة؟ - أبدا ... في سباق الخيل يا أستاذ ... عشرون قرشا فقط جاءتني بسبعين جنيها.
وعلق محمود في استخفاف: وغيرك كم خسر؟
وقال عبد المجيد في تهكم: كم خسر ؟ ما كنت أخسره أنا لو لم أربح ... العشرين قرشا، كان قد أتم حلاقة ذقنه، وترك مكانه لعبد المجيد الذي استطرد في الحديث: غدا الأحد مثلا ... لدي أسماء أربعة جياد فوزها مضمون ... لو أنها ربحت لجاءت بثروة، فإذا لم تربح كم تكون الخسارة عشرين قرشا؟ ... خمسين؟ ... هل هذا مبلغ يبكي عليه المرء؟
ونظر إلى عبد المجيد متسائلا: ستلعب عليها طبعا؟
وأجاب عبد المجيد: بكل تأكيد ... مع ذلك فإني أعطيك أسماءها، وحينما تربح اذكرني بالخير.
ومضى في طريقه إلى مكتبه، وفي يده ورقة كتب عليها أسماء الجياد الأربعة ... وكم فكر خلال الساعة التي قضاها في مكتبه في تلك الورقة، بل لعله أخرجها أكثر من مرة، وقرأ أسماء الجياد، ولما ذهب إلى النادي سخط على ما قضاه من أيام يلعب النرد، ويجرب حظه في القروش، وأنصاف القروش الوهمية التي كان يراهن بها أصدقاءه في اللعب.
صفحة غير معروفة