إن المسألة التي أريد عرضها على حضراتكم هي أنكم نظرتم قانون الاجتماعات مع أنه غير وارد بجدول الأعمال، ولم تكن الحكومة حاضرة؛ فهل يجوز أن يتخذ مثل هذا القرار في غيبة الحكومة؟! هذا ما أردت طرحه على حضراتكم لإبداء الرأي فيه.
فقال أحد الأعضاء:
المجلس صاحب الحق المطلق في جدول أعماله، فموضوع البحث هو: هل للمجلس - إذا لم تكن الحكومة ممثلة - أن يغير جدول أعماله قبل أن يخطرها بذلك أم لا؟ فيجب أن تقرر أولا أن الحكومة تعمل على تمثيل نفسها دائما في المجلس لتتوقى مثل هذه المسائل، والذي أفهمه أن مكتب المجلس كان يجدر به أن يخطر الحكومة من باب المجاملة ....
فقال سعد:
ليست المسألة مسألة مجاملة. إني لا أقبل المجاملة في هذا! ومحل ذلك في المسائل الشخصية، ولكني أعرض المسألة الآن رسميا، وليس هذا حق الحكومة فقط، بل حق كل عضو علم بجدول الأعمال ولم يحضر الجلسة ثم عدل جدول الأعمال فله أن يعترض، وأولى بالحكومة أن تعترض على ذلك باعتبارها الطرف الآخر «طرفا مهما» ... وأن مصلحة المجلس تقضي بإعلانها؛ لأنها إذا كانت لا تقبل قرارا صدر في غيبتها، فلها أن ترده للمجلس لا من باب المجاملة بل من باب الإلزام.
واحتدت المناقشة طويلا، ثم أصرت الحكومة على رأيها وأصر المجلس على رأيه، وغاية ما سمح به أن تنتظر الحكومة الفرصة التي تسنح عند إعادة القانون في مجلس الشيوخ إذا أعاده إلى مجلس النواب، أو تتقدم إلى مجلس النواب بقانون اجتماعات جديد، أما الإلغاء فلا رجوع فيه.
وعرض القانون على مجلس الشيوخ فعدل بعض أحكامه ولا سيما في العقوبات، وعلم وكيل الداخلية أن الحكومة ستنهزم في المناقشة، فاستنجد بوزير الداخلية محمد توفيق نسيم باشا، ودارت المناقشة بعد حضوره كأشد ما تكون بين خصمين متناجزين، ثم سأل رئيس المجلس: ما هو رأي الحكومة النهائي في هذه التعديلات؟
فقال سعد باشا: «إن الحكومة لا تزال عند رأيها.»
وأخذت الأصوات فإذا المجلس يؤيد التعديلات ويخذل الحكومة، ولم يكن سعد يتوقع هذا، ولكنه اغتبط به بعد ذهاب سورة المناقشة، وحمد الله «أن في مصر نوابا وشيوخا لا يقولون نعم نعم ولا لا كلما قالها الحاكم أو الزعيم».
هذه الصعوبات البرلمانية كانت تتعب الوزارة في بعض الأحايين، فاصطلحت فيها الوزارة والبرلمان على حد سواء بين الفريقين؛ فأما المسائل التي يتأزم بها مركز الوزارة والبرلمان معا، فقد كان سعد يعتصم فيها بالثقة، وكان البرلمان يجاريه فيها؛ لأنه يعلم أن ليس وراء قدرة الوزارة فيها قدرة قصرت في استخدامها. كذلك حدث في مسألة خطبة العرش وتفسير الأماني القومية، وكذلك حدث في مسألة الجزية التركية التي رأى سعد أن يبطل التزام مصر بها ويودعها في الوقت نفسه أحد المصارف انتظارا للفصل فيها محافظة على سمعة البلاد المالية، ورأى المجلس غير ذلك ثم ثاب إلى رأي سعد في ختام المناقشة، وإن لم يعرض سعد مسألة الثقة في هذه الجلسة.
صفحة غير معروفة