الحمد لله الذي خلق الأولى وجعلها فانية عن أهلها بسعادة أو شقاء ووعد الأخرى للبقاء والجزاء بنعيم مقيم أو عذاب أليم وجعل في الدنيا إلى الأخرى طريقين طريقا لأهل الشقوة وطريقا لأهل السعادة وجعل لكل طريق سببا ويوصل إليه من تعلق به ثم دعانا إلى الإستقامة على طريقة السعادة وأمرنا بأن نسأله الهداية إليها فقال قولوا إهدنا الصراط المستقيم ثم أنعم به علينا إنعاما ويينه لنا تبيانا فقال وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه وسماه صراطه إذ كان الموصل إلى رضوانه وكرامته وحذرنا من العدول عنه فقال ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وعرفنا جميل صنعه بنا وجميل محبته لنا ليفوز بالشكر من شكره ويشقى بالكفر من كفر به ولتكون له الحجة البالغة ولا يكون لأحد من خلقه عليه حجة فقال لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقال وهديناه النجدين وهما الطريقان وقال فألهمهما فجورها وهو الكفر وتقويها وهو الشكر وهما السنتان وبين ذلك فقال إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا وقال قد أفلح أي صار إلى الفلاح وهو الفوز بالبقاء في النعيم المقيم من زكاها أي نفسه بطاعة الله شكرا وقد خاب أي خسر الرحمة وصار إلى العذاب الأليم من دساها أي نفسه بالمعصية كفرا وأنزل المعرفة بإنزال الكتاب وهي اجل موهبة وأشرف خلعة وكرامة وأنزل البيان وهو علم اللسان وجعله الطريق إليها وقال علم بالقلم جاء في التفسير أي بالكتاب وقال خلق الإنسان علمه البيان جاء في التفسير أنه علم اللسان والفائز في الدنيا والآخرة من أطاع ربه فأحيا نفسه بنور الهداية وبصيرة المعرفة والفاضل الكامل من أحيا غيره بما حي به في نفسه الشقي من أعرض عن ذكر ربه فطغى وآثر الحياة الدنيا فصار إلى ضنك المعيشة في الدنيا وحشر في الآخرة أعمى وكان الجحيم هي المأوى ونحن بالله نستعيذ من الشقوة وإياه نسأل الفوز والرحمة وبعد فإن كتابنا هذا إنما هو في القسم السادس من كتابنا الذي يميناه السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية ونريد أن نذكر فيه السبيل إلى تزكية الأنفس وإخيائها من مبدأ مفتتحها إلى تمام غايتها وبالله نعتصم وعليه نتوكل وإليه نرغب وإياه نسأل العون والتيسير ونصلي على نبينا محمد وعلى آله الطيبين
فيما يجب أن يأخذ به الملك نفسه ورعيته في معرفة الله
قال اليونس الغرض المقصود به من الحياة إنما هو إخراج النطق من القوة إلى الفعل والغرض من إخراج النطق إلى الفعل معرفة الحق فمن أجل ذلك نقول بأن الغرض من الفلسفة إنما هو معرفة الله وقال أفلاطن أول ما يجب على الملك أن يأخذ به رعيته الإيمان بالله قال وذلك بأن يعلموا أن لهم صانعا لا تخفى عليه خافية ولا يفوته شيء والثاني أن يعلموا أن وراء هذه الدار دار أخرى فيها يثاب الناس وفيها يعاقبون والثالث أن يعلموا أن الله لا يرضى عن أحد من عبيده إلا بأن يجتنب السيئات والمحارم كلها فأما من خلط السيئات بالحسنات فإنه لن ينال رضاء الله وإن كانت حسناته أكثر وسيئاته أقل قال وينبغي أن يقرر قفي نفوسهم أن الله لا يقبل من النجس صلاة ولا أضحية ولا قربانا قال والنجس هو الذي غلبت عليه اللذات واستولت عليه الشهوات قال وينبغي أن يتقدم إلى أهل الفضيلة بأن لا يقبلوا من النجس كرامة ولا برا قال ويجب أن يقرر في نفوسهم أن الله جل وعز سبب الخير فقط فإنه لا سبب لخيراتنا غير الله وأما الشرور فإنما تنالنا بسوء أفعالنا قال وينبغي أن يقرر في نفوسهم بأن الله تعالى لا يهلك قوما إلا بسوء أفعالهم وسأل الإسكندر ذيوجانس الحكيم أي خصال الخير أحمد عاقبة فقال الإيمان بالله وبر الوالدين وقبول الأدب وقال أوميرس يجب أن يعلم كل أحد بأن الله مطلعا عليه حيث كان ومن عرف أن الله مطلعا عليه حيث كان لم يختلف أفعاله بل كانت سيرته متشاكلة قال أفلاطن وينبغي أن يؤخذ الناس باعتقاد أنهم يخلدون في النشأة الثانية قال وسبب الخلود اعتدال المزاج وزوال التباغي من الطبائع فإن الفساد إنما وقع في هذه الحياة بزوال الإعتدال وإنما زال الإعتدال من قبل تباغي الطبائع
من كتاب الكون بتفسير الإسكندر
قال أرسطوطيلس والقول بأن الكل واحد وأنه غير متحرك وأنه غير متناه شبيه بالجنون والوسواس وذلك أنه ليس أحد من المجانين ومن سلب عقله يظن بأن النار والثلج واحدا ولكن إنما يظن هذا من لا يفرق بين الأشياء التي هي جميلة بالطبع وبين الأشياء التي هي جميلة بالعادة قال الإسكندر الجميلة بالطبع مثل تعظيم الله وتبجيله وأن يؤتي بالعدل ولا يظلم أحدا وأن يكرم الناس ويستحيي منهم وأما الجميلة بالعادة فمثل أن لا يؤكل في السوق قال أبو الحسن وقال ينبغي للملك أن يأخذ رعيته باعتقاد أن لله أنبياء وأولياء قال الإسكندر في تفسيره بحرف اللام كان أفلاطن يقول بأن الله يتجلى بالنور الإلاهي ويوعز بالآيات للأفاضل من عباده قال وكان يقول وإنه ليس يتجلى هذا النور ولا يوعز بالآيات إلا للذين قد قضى لهم بذلك من قبل أن يكونوا فإن الأشياء إنما تجري على ما سبق من قضاء الله لخلقه وإنه لن يصل أحد إلى الله ما خلا الذين قد قضى لهم بالوصول إليه
علة أخرى في إمكان الخلق للأبدان
قال الإسكندر في تفسير الكون والفساد في إمكان الطبيعة أن تحلل حميع أجزاء المادة التي تقع بها الحياة ووقع الخلود من قبل ما أصف لأن ما كان ينحل يتجدد ثم يكون كذلك أبدا
ذكر ما روي عن الفلاسفة في صفة الله
قال أفلاطن الله هو الواحد البسيط الذي لا علة لوجوده قال وكذلك نقول بأنه القائم بذاته لأن القائم بذاته هو الذي لابدوية له لأن هويته تكون من تلقائه لا من خارج قال وهو الوحدة على الحقيقة قال وهو الأول والآخر لأن الأشياء كلها منه بدت وإليه انتهت قال وذلك نقول بأنه العقل لأن الأشياء كلها ينتهي إلى العقل قال ونقول بأن الله هو العقل المفارق للصورة المتبرئ من كل عنصر ومادة وهو أعلى بالشرف وبالقوة من الجوهر وهو الذي يعطي الأشياء الجوهرية كلها والوجود وهو سبب الحق والحكمة وسبب كل معرفة وذلك أنه المهئ لجميع الأشياء التي تدركها المعرفة لأن تعلم وقال الينس الله واحد أولى غير متحرك وهو العلة لكل موجود وكل مكون وهو المحرك للأشياء المكونة على أنه علة كونها وعلى أنه السبب المتمم لها ويحرك الأشياء الموجودة على أنه العلة المتممة لها قال وإنه زين هذا العالم بجوده وقدرته وحكمته وقال بعضهم الله واحد أزلي وإنه لا شبيه له ولو كان له شبيه لم يكونا اثنين بل واحد ولو باينه الآخر في شيء لم يكن بسيطا لكن مركبا ولو كان مركبا لم يكن قديما بل محدثا قال ويجب أن يعلم بأنه لا ضد له فإنه لو كان له ضد لكان له فناء ولو كان له فناء لم يكن أزليا فإن الضدين شأنهما أن يبطل كل واحد منهما الآخر ويفسده إذا اجتمعا قال ويجب أن يعتقدوا بأنه حي حكيم قال ويجب أن يأخذ الملك الناس بالإيمان بالله وبأن الملائكة حق
ذكر الحقوق التي يجب على الناس اعتقادها
صفحة غير معروفة