بيان أن الرئيس إذا لم يكن فاضلا فإنه لا ينفع ويضر مع ذلك المضرة العظيمة من قبل أنه يفسد الرعية
قال أفلاطن فساد كل مساس ومرؤوس إنما يكون بالسائس والرائس فأن الرائس إن كان على ما ينبغي تربا المرؤوس على ما ينبغي وإن لم يكن على ما ينبغي تربا المرؤوس على ما لا ينبغي قال وكذلك هذا في كل مصنوع ومفعول فإنه على قدر حال الفاعل في الحذق بالصنعة وفي تجويد الفعل يكون حال المفعول والمصنوع قال وإنما البلاء كل البلاء أن تكون الرياسة للعالي في المرتبة لا للعالي في الحكمة قال وإن ااعالي في المرتبة قل ما يستشير وإن استشار طلب ما يهوى لا ما ينبغي وإن أشار عليه إنسان بالرأي لم يمكنه أن يصغي إليه قال وإن الرئيس إذا لم يكن فاضلا فإنه يفسد غيره ويفسده غيره من قبل أن الناس يزينون له ما يحبه ويتقربون إليه بما يشتهيه فيزداد فسادا ويسكتون عن خطائه فيظن أنه صوابا قال ولهذه نقول بأن الجاهل إذا تولى رياسة فإن فهمه يمتلئ حمقا ورعونة لا كيسا وفطنة قال وملك أكثر الناس إنما يجري بالبخت وإنما وقعت الرياسات التي ليست بحق لعلة في الطباع وهو إدخال الألم على الخارج من نظم الطبيعة وشرحها ليرجع إليها قال أفلاطن وأقول بأن الرئيس إذا لم يكن راسخا في الحكمة فإنه يحتاج أن يحجم عن إمضاء الأمور أو يمضيها جزافا وعلى سبيل التبخت وفي كلي الوجهين فساد عظيم وتغرير وإن استعان بغيره لم يصبر على ما يراه ولم يطق طاعته فيما يشير له عليه وذلك من قبل أن أكثر الأمور التي يراها العاقل من قبل الوقوع لا يراها الجاهل من بعد الوقوع وكيف يصدق بها من قبل الوقوع وليس يمكن العالم أن يصير بالجاهل في العلم في مدة يسيرة إلى ما يعاينها ويتحقق بها وإن لم يكن راسخا في العفة فإنه يترك الحق عند مخادعة اللذة والشهوة وأيضا فإن كلمة الشره لا تؤثر في السامع بمقدار حالها لكن بمقدار حال العامل فيتولد الشره في السامع وإن كانت الكلمة كلمة عفة وحكمة وإن لم يكن شجاعا عدل عن الصواب من جهة المخافة وقال أرسطوطيلس فساد المدن إنما يكون من قبل الرؤساء وذلك بأن يصرفوا همهم إلى تعجل اللذات الذميمة وإلى جر المنافع إلى أنفسهم قال وإن الزفرات والعبرات تكثر في مدينة تكون هذه حال رئيسها قال وكذلك صلاح المدن إنما يكون بالرؤساء وقال أرسطوطيلس الرئيس في كل شيء هو المصرف له فواجب أن تكون حال المرؤوس وهو المصرف شبيهة بحال الرئيس الفاعل للتصريف فإن كان المصرف أعني الرئيس رذلا كان المصرف أعني المرؤوس رذلا وإن كان فاضلا كان فاضلا
بيان أن الرئيس إن كان فاضلا فإنه لا ينفع أو يكون قائما على السياسة ومتيقظا
قال أفلاطن وقد يقع الفساد وإن كان الرئيس فاضلا من جهة إهمال الرعاية قال وإهمال الرعاية يقع بأسباب أحدها الإغترار بالإستقامة والثاني الإعتماد على من ليس بموضع للأمانة والثالث الإستقثال لتعب الرعاية والرابع الميل عن الصلاح إلى الجمال وإلى الملاحة وذلك بأن يولد من المرأة التي لا عقل لها ولا خلق من قبل ميلها إليها لملاحة أو جمال فيتولد منهما ولد مختلط كما يتولد من بين الذهب النحاس
بيان أن الرئيس إن كان فاضلا في نفسه وقائما على السياسة فإنه لا ينفع أو يكون من يسوسهم أو أكثرهم متأدبين
قال أفلاطن وقد يتولد الفساد في السنن وفي المدن من قبل التباع والمساسين وإن كان الرئيس فاضلا في نفسه وقائما على سياسته وذلك بأن يكون المساس عديم الأدب قال وعدم الأدب هو ترك الطاعة للسنة وللرؤساء أما العامة فلما يأمرهم به رؤساؤهم وإما الخاصة فلما يكون في نفوسهم من الأقاويل الحسنة وإنهم يعرفونها بقلوبهم ويصفونها بألسنتهم و يضادونها بأفعالهم قال ولهذا نقول بأنه ليس ينبغي للحكيم أن يتقبل بأمر مدينته أو يكون أهلها أو أكثرهم متشابهون به في الأدب ومتناسبون قال أفلاطن والسبب الذي يؤدي الجميع إلى ذلك مهانة أنفسهم أن لا يصبروا على النافع والجميل بسبب المؤذي واللذيذ قال وقد يقع ذلك أيضا من قبل الجهل ومن قبل أن يعتقدوا بأن اللذة خير وأحد أسباب البلايا الأماني وذلك بأن يظنوا أنه لا يضرهم أو يتخلصوا منه إن ضرهم وأن الأماني لا يتخلص منها أحد لا شيخ ولا شاب ولا صبي ولا كهل ولا ذكر ولا أنثى وأصحاب الأماني ينمنون أن تكون الكائنات على ما يشتهون لا على ما ينبغي لها أن تكون
القول في كيفية الإسعاد
كيفية الإسعاد إنما هي كيفية السياسة التي بها تحصيل السعادة وأقول إنه لا فصل بين أن يقول قائل كيف يسوس السائس من يسوس وبين أن يقول ما كيفية السياسة فقد قال أرسطوطيلس في نيقوماخيا في باب الكبير الهمة إنه لا فصل البتة بين أن يفحص فاحص عن الهيئة وبين أن يفحص عن الذي له الهيئة وأقول الأمر كما قال فإن الهيئة حال لازمة والفحص عن الذي له الهئية إذا كان فحصا عن كيف هو فإنما هو فحص عن حال من له الهيئة والحال هي الهيئة وأقول إنا أردنا أن نتبين كيف ينبغي للسائس أن يسوس فإنا نقول السبيل فيه أن يتبين الغرض الذي يريده بسياسته ثم يطلب الطريق إليه والمبدأ وهو الذي يجب أن يكون الإبتداء منه فأما تبين الغرض وهو أن يطلب العلة التي من أجلها يريد أن يفعل سائر ما يفعل فإذا وجدها وضعها ثم رجع بالعكس منها على الولي من دون أن يتخطا شيئا إلى غيره إلى أن ينتهي إلى الطرف الآخر فإذا فعل ذلك على وجهه فقد وجد المبدأ وقد عرف الطريق أما المبدأ فإنه الطرف الذي انتهى إليه بالعكس من الغرض وإما الطريق فإنه مسلك ما بين المبدأ والغرض
ومثال ذلك في كيفية الإسعاد
إن العلة التي من أجلها يسوس السائس إنما هي تحصيل السعادة للمساس فمتى قيل بأن السعادة إنما هي حسن الحال في المحيا وضع ذلك ثم نظر إلى السبب الأدنى إلى حسن الحال فقيل وبأي شيء يحصل حسن الحال فإذا تبين أن ذلك إنما يحصل باستكمال الصورة التي لها خلق الإنسان وضع ذلك ثم نظر إلى السبب الذي به يستكمل الصورة فإذا تبين أن ذلك إنما هو بإخراج ما فيه بالقوة من النطق إلى الفعل نظر إلى السبب الذي به يخرج النطق إلى الفعل فإذا تبين أن السبب في النفس المفكرة معرفة التجارب وللنفس النظرية معرفة العلوم الحقية نظر إلى السبب الذي به يحصل استكمال النفس المفكرة فإذا علم أن ذلك إنما يكون بتحصيل الخيرات الإنسية وقد بينا أنها ما هي قبل طلب السبب الذي به تحصل الخيرات الإنسية فإذا عرف بأن السبب فيه الخيرات البدنية وهي الصحة والجمال والشدة وضع ذلك ثم طلب ما به تحصل الخيرات البدنية فإذا عرف أنها إنما تحصل بالخيرات الخارجة من النفس والبدن وضع ذلك ثم طلب ما به تحصل الخيرات الخارجة من النفس والبدن فإذا تبين أنها إنما تحصل بتصرف الأبدان و[؟] فقد وجد المبدأ وكان من الواجب على الرئيس أن يصرف عنايته إلى تصريف المساسين وتكليفهم اكتساب أنواع الحاجات التي ينتظم بها حسن الحال والسبيل في ذلك أن يقيم بأزاء كل نوع من أنواع الحاجات صنفا من الناس يصلحون له ويقومون به ويجعل غرضه في تصريفهم وينبغي أن يجعل أغراضهم في تصرفهم اكتساب حسن الحال حتى يكونوا مفتقرين على عدد الأغراض التي تكون للأنواع ومجتمعين على توجههم بالأغراض نحو الغرض الأقصى وهو اكتساب حسن الحال و أقول إنه قد يكون الشيء مبدءا لشيء وغرضا لشيء مثال ذلك التصرف
صفحة غير معروفة