رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة
الناشر
دار السلام للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الثانية
تصانيف
كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق١.
ثانيا: اختلاف المعلمين للقرآن:
فقد كان القراء المعلمون للقرآن الكريم يعلمون الغلمان ويقرئون تلاميذهم على حسب ما تلقوه من الأحرف، فنشأ -تبعا لذلك- جيل من أهل القرآن يقرءون بروايات مختلفة، ووقر في أذهانهم أن ما تلقوه هو الصحيح.
روى ابن جرير بسنده عن أبي قلابة قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل٢، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين.
قال أبو أيوب: فلا أعلمه إلا قال: حتى كفر بعضهم بعضا بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان، فقام خطيبا فقال: "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا، وأشد لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما".
قال أبو قلابة: "فحدثني أنس بن مالك قال: كنت فيمن يملى عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله ﷺ ولعله أن يكون غائبا في بعض البوادي، فيكتبون ما قبلها وما بعدها، ويدعون موضعها حتى يجيء أو يرسل إليه، فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم"٣.
ثالثا: أن بعض الصحابة ﵃ كانوا يكتبون لأنفسهم مصاحف خاصة مشتملة على الأحرف السبعة جميعها، وفيها بعض الأحرف التي نسخت بالعرضة الأخيرة، ولم يطلعوا على هذا النسخ، كما أنها كانت تشتمل على الألفاظ التي
_________
١ صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، كما رواه الترمذي في سننه في أبواب تفسير القرآن "٤/ ٣٤٧-٣٤٨"، والبغوي بسنده عن الإمام البخاري وقال: هذا حديث صحيح، شرح السنة "٤/ ٥١٩-٥٢٠" والحافظ ابن كثير في فضائل القرآن ص٣٠-٣١، والسجستاني في المصاحف "١/ ٢٠٤".
٢ معناه: أن المعلم يقرئ تلاميذه حسب قراءة الصحابة، والآخر يقرئ حسب قراءة صحابي آخر وهكذا.
٣ انظر: جامع البيان للطبري "١/ ٢٠"، مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص٨١.
1 / 17