والآن فقد وجد ضالته المنشودة، وتيسر له ما كان يحلم به من الانتقام، فنظر إلى بستيان الساهر على مولاه بحنو الوالدة، وقال بنفسه: إن هذا الجندي يثقل علي ويحبط مساعي. قال ذلك، وانتصب على قدميه، وذهب إلى جواده.
فسأله بستيان: ماذا تفعل؟ - أريد أن أمتحن غدارتي، فإني أخشى أن تكون قد ترطبت من البرد.
وعند ذلك أخذ مسدسا، وامتحنه أمام الجندي الذي كان يراقبه بسكون وارتياح، ثم أخذ مسدسا ثانيا فامتحنه كما امتحن الأول، وبعد أن وثق منهما صوب أحدهما على الجندي، وقال: أتعلم يا بستيان أن لي مهارة شديدة بإطلاق الرصاص؟ - هذا لا ريب فيه أيها القائد. - أتعلم أني أصبت يوما قلب عدو لي بمبارزة على بعد ثلاثين خطوة؟ - ذلك ممكن. - ولقد فعلت أعظم من ذلك، فإني كنت أراهن على أن أصيب إحدى عيني خصمي، وكنت أربح دائما، ولكني أؤثر دائما إصابة القلب؛ فإن ذلك يقتل الخصم على الفور.
فرجع بستيان منذعرا إلى الوراء لما رآه يصوب المسدس إليه، وقال بلهجة الرعب: ماذا تفعل؟
فأجابه ببرود: إني أصوب إلى القلب، فإني لا أريد لك العذاب.
وللحال أطلق عليه المسدس، فصاح ذلك الخادم الأمين من الألم، وسقط على الأرض مخضبا بدمائه.
وقد دوت الغابة بصوت البارود، واستيقظ أرمان بالرغم عن نعاسه الشديد، فنظر إلى ما حوله نظرة الرعب والقلق، ورأى ذلك الجندي المسكين ساقطا على الأرض ينظر إليه نظرة المودع الآسف، ويده على قلبه المطعون.
ثم نظر إلى فيليبون فرأى الزبد على شدقيه، وملامح الانتقام الوحشي ظاهرة بين عينيه، فنسي جراحه المؤلمة، وجلس مسرعا وهو يحاول الوقوف، ولكن فيليبون لم يمهله بل وثب عليه وثوب النمر المفترس، وألقاه على الأرض فوضع إحدى ركبتيه على صدره المثخن بالجراح، وضغط عليه ضغطا شديدا، وهو يقول: تبا لك أيها الغر الأبله، فلقد وثقت بي في حين كان يجب أن تحذر مني كما تحذر من ألد أعدائك، أنت يا من سلبني المرأة التي كانت مطمح آمالي، تلك التي لم أحب ولن أحب سواها في هذا العالم، طب نفسا فسأتزوج بامرأتك، وسأتمتع بأموالك على ما أوصيت، والآن فلم يعد لك إلا دقيقة واحدة للحياة؛ إذ لا فائدة لي من حياتك، فلتمت لأحيا بعدك.
فاجتهد أرمان أن يتخلص مجذوبا بميل حفظ الحياة، فعاجله فيليبون بإطلاق الرصاص، فسقط أرمان وهو يقول: يا أيها النذل! وكانت هذه آخر كلمة قالها.
أما فيليبون فغادر أرمان وقد سال نخاعه على يده الأثيمة، وبستيان وهو غارق بدمائه، ولم يطلع على ذنبه غير الله.
صفحة غير معروفة