آل أوليفر أنفسهم كانوا تابلوهات للشخوص. كل يجسد ملمحا بشريا ما، يفصل بين كل منهم حائط من عدم التواصل والاغتراب. وتظهر الرواية تباين مواقفهم وردود أفعالهم تجاه الحرب الوشيكة التي ستغير خارطة التاريخ.
العجوز «بارثولوميو أوليفر» وشقيقته «لوسي سويزن»، كل منهما أرمل، يعيشان مع بعضهما الآن بنفس العلاقة المتذبذبة التي عاشا عليها خلال الطفولة. «جايلز» نجل أوليفر، مقامر في البورصة، يسافر إلى لندن يوميا من أجل العمل، ويعتبر ذلك الحفل شيئا مزعجا لا فرار من تحمله. «آيزا» زوجته غير القانعة، تخفي أشعارها عنه، وتفكر في إقامة علاقة غير شرعية مع مزارع في القرية.
في نهاية الحفل، تخطط مخرجة العرض شيئا خاصا وفريدا من أجل الاحتفال بالحاضر؛ شيئا له إسقاطات ذات أبعاد سياسية كانت تعنيها وولف: تجعل الممثلين يوجهون مراياهم صوب الجمهور وكأنها تقول: انظروا إلى وجوهكم، انظروا كيف أصبحت إنجلترا؛ يلفها العار والجمود. أليس كذلك؟»
على النحو نفسه أشهرت وولف مرآة في وجه البشرية؛ مرآة تعكس حزننا وخيباتنا عبر شخوص روايتها.
ربما تلك الدلالة، غير المبهجة، هي الأكثر مناسبة لتلخيص مصير كاتبة مثل وولف، أحد أعظم رموز الحزن في التاريخ. (6) شبح الموت حول فرجينيا
إبان الاجتياح النازي، أعدت وولف وزوجها المؤن واتخذا تدابير الاستعداد حال الخطر. فاتفقا على تصفية نفسيهما جسديا، عن طريق الانتحار بالغاز السام، إذا ما هوجما من قبل النازيين (نظرا لكون زوجها يهودي الأصل).
لم تكن ظلال الخوف من الاجتياح النازي بكل ما تحمل من رائحة الموت وحدها التي مثلت شبحا ضاغطا على روح وعقل فرجينيا. فقد أثقلت المرأة بحوادث فاجعة كثيرة ليس بدءا بموت أمها المبكر ولا بموت أبيها البطيء ولا شقيقها المحبوب، ولا انتهاء بالأصدقاء الذين كانوا يذهبون إلى الحرب ولا يعودون بعد ذلك أبدا. فكأنما كان الموت يترصدها كما ترصد محيطها، فقررت أن تذهب إليه بدلا من أن تنتظر مجيئه على مبدأ «بيدي لا بيد عمرو».
تقول في يومياتها التي كتبتها بين عامي 1931م و1935م، وهي ما صدرت في كتاب حديث بالترجمة الألمانية، إنها ذهبت مع زوجها ليونارد وولف بعدما حصد الموت فجأة صديقهما المشترك «لايتون استراشي» من أجل مواساة حبيبته دورا كارينجتون التي بدت غير مصدقة حتى اللحظة فقدان حبيبها. تقول وولف «كم بدت خائفة! بدت كطفل يخشى أن يخطئ كيلا يطوله العقاب. وحين هممنا بالانصراف رافقتنا دورا إلى الطابق السفلي حتى باب المنزل، قبلتني مرات عديدة. قلت لها: تأتين لزيارتنا إذن في الأسبوع المقبل؟ قالت: نعم سآتي، وربما لن آتي. ثم قبلتني مرة أخرى قائلة: «وداعا.» ثم دلفت إلى الداخل. التفت لألوح لها، فوجدتها تقف هناك تشخص فينا. لوحت لي أكثر من مرة، ثم اختفت.»
كان ذلك المشهد هو آخر ما عرف الزوجان عن صديقتهما. في اليوم التالي عند الثامنة والنصف أطلقت دورا الرصاص على نفسها من بندقية صيد. ولم يبرح عين فرجينيا مشهد الوداع المستطيل والتلويح المتكرر، والالتفاتات المتواترة، وشخوص الصديقة الراحلة فيها عند باب البيت، ثم الحدس السيئ الذي باغتها في تلك اللحظة بالذات بأن ثمة نذيرا في الأفق الوشيك. شبح الموت الذي طفق يدوم ويحوم في أفق وولف يحصد كل من أحبتهم واحدا إثر واحد حتى إنه لم يغفل «بينكا»، كلبتها المحبوبة. (7) النهاية
حين استشعرت أن ضربة عقلية أخرى في طريقها إليها، أثقلت فرجينيا وولف جيوب ثوبها بالأحجار وأغرقت نفسها في نهر «أووز»
صفحة غير معروفة