﴿أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون﴾ وَهَذَا هُوَ معنى قَوْلهم إِن أَفعاله لَا تعلل بالأغراض وَلكنهَا تتنزه عَن الْعَبَث ويستحيل أَن تَخْلُو من الحكم وَإِن خفى شىء من حكمتها عَن أنظارنا
الْوحدَة
وَمِمَّا يجب لَهُ صفة الْوحدَة ذاتا ووصفا ووجودا وفعلا أما الْوحدَة الذاتية فقد أثبتناها فِيمَا تقدم بنفى التَّرْكِيب فِي ذَاته خَارِجا وعقلا وَأما الْوحدَة فى الصّفة أى أَنه لَا يُسَاوِيه فى صِفَاته الثَّابِتَة لَهُ مَوْجُود فَلَمَّا بَينا من أَن الصّفة تَابِعَة لمرتبة الْوُجُود وَلَيْسَ فِي الموجودات مَا يساوى وَاجِب الْوُجُود فى مرتبَة الْوُجُود فَلَا يُسَاوِيه فِيمَا يتبع الْوُجُود من الصِّفَات وَأما الْوحدَة فِي الْوُجُود وفى الْفِعْل ونعنى بهَا التفرد بِوُجُوب الْوُجُود وَمَا يتبعهُ من إِيجَاد الممكنات فهى ثَابِتَة لِأَنَّهُ لَو تعدد وَاجِب الْوُجُود لَكَانَ لكل من الواجبين تعين يُخَالف تعين الآخر بِالضَّرُورَةِ والالم يتَحَصَّل معنى التَّعَدُّد وَكلما اخْتلفت التعينات اخْتلفت الصِّفَات الثَّابِتَة للذوات المتعينة لِأَن الصّفة إِنَّمَا تتَعَيَّن وتنال تحققها الْخَاص بهَا بتعين مَا ثبتَتْ لَهُ بالبداهة فيختلف الْعلم الْإِرَادَة باخْتلَاف الذوات الْوَاجِبَة إِذْ يكون لكل وَاحِدَة مِنْهَا علم وَإِرَادَة يباينان علم الْأُخْرَى وإرادتها وَيكون لكل وَاحِدَة علم وَإِرَادَة يلائمان ذَاتهَا وتعينها الْخَاص بهَا
هَذَا التخالف ذاتى لِأَن علم الْوَاجِب وإرادته لازمان لذاته من ذَاته لَا لأمر خَارج فَلَا سَبِيل إِلَى التَّغَيُّر والتبدل فيهمَا كَمَا سبق وَقد قدمنَا أَن فعل الْوَاجِب إِنَّمَا يصدر عَنهُ على حسب علمه وَحكم إِرَادَته فَيكون فعل كل صادرا على حكم يُخَالف الآخر مُخَالفَة ذاتية فَلَو تعدد الواجبون لتخالفت أفعالهم بتخالف علومهم وإرادتهم وَهُوَ خلاف يَسْتَحِيل مَعَه الْوِفَاق وكل وَاحِد بِمُقْتَضى وجوب وجوده وَمَا يتبعهُ من الصِّفَات لَهُ السلطة على الإيجاد فِي عَامَّة الممكنات فَكل لَهُ التَّصَرُّف فِي كل مِنْهَا على حسب علمه وإرادته وَلَا مُرَجّح لنفاذ إِحْدَى القدرتين دون الْأُخْرَى فتتضارب أفعالهم حسب التضارب فى علومهم
1 / 23