والطَمطةَ كلام العجمي الذي لا يفهم، يقال: أعجمي طمْطم وطُمطْماني، إذا كان كلانه غير مفهم، قال عنترة:
تأوي لهُ قُلص النّعانِ كما أوتْ ... حزقُ يمانيةُ لأعْجمَ طمِطِم
فجعلت شعرك واعتلاجه في صدرك ودبيبه على لسانك وما منحته قريحته منك بمنزله كلام الهاذي والأعجمي الطمطم الذي لا يفهم كلامه. ولا خير في ما هذه سبيله ووجه الكلام أن كنت تقول: والشعر يمور تياره، ويغطمط لجه، ويجيش بحره، وتتغاير قوافيه في مدحه، هذا الكلام كما قال أبو تمام:
تَغايرَ الشعْر فيه إذ سهرتُ لهُ ... حتى ظنْنتُ قوافيهِ ستَقتتْلُ
لكن القافية اضطرتك إلى ما هجن الكلام وأفسد معناه وأحاله عن الصحة. فأقبل علي وقال: أنصف، فإن المنصف من يميز، وأنعم النظر إنعام من تقدمت في العلم قدمه، ووقعت الإشارة إلى فضله. ولا تسلط الهوى على الرأي. فقلت: قل: فقال: إنما أجري على سبيل الشعراء المبرزين في الإحسان واختراع المعاني، فإذا استبهمت مسالك الإبداع، جريت على وتيرة من تقدمني في اقتفار الأثر والملاحظة والنظر. وما أبرئ خاطري، وإن كان الصواب يتصرف به على سبيله، من زلة تجوز بي وعثرة اعتمدها. فقلت له: أفمن اختراعاتك قولك في صفة نعلك:
) لا ناقَتي تحمَلُ الرّديف ولا ... بالْسوطِ يومَْ الرًهانِ أجهدُها (
) شراكُها كورهاُ ومشْفَرُها ... زِمامهُا والشُوُعُ مقِوَدها (
فقال: أليس هذا مخترعًا؟ فقلت: أجل وهو مخترع لأبي نؤاس في قوله:
إليكَ أبا العَبُاسِ مَن مشَى ... علَيها، امتَطَينا الحَضرَمُي المُلسَناَ
قَلائصَِ لم تَحملِْ حنَينًا طَلًا ... ولم تدَْرِ ما قَرْعُ الفَنيقِ ولا الهنِا
وقولك:) ناقي (من قول أبي نؤاس " قلائص " وقد زدت المعنى وأشبعته في البيت الثاني وتركت من قول أبي نؤاس:
قَلائِصُ لم تَحملْ حَنينًا على طَلًا ... ولم تَدرِ ما قَرْعُ الفَنيقِ ولا الهِناَ
وزدت أنك لا تجهدها بالسوط، وأن شراكها كورها، وزمامها مشفوها، والشوع مقودها. ومن معانيك المخترعة قولك:
) ماضي الجَنانِ يُريهِ الحزْمُ غدٍ ... بقَلْبهِ ما تَرى عَيناهُ بعدَ غدِ (
وهذا من قول دريد بن الصمة معنى ولفظًا:
يرَى عاقباتِ الرُأيِ والأمرُ مقُبِلُ ... كأنُ لهُ في اليوْمِ عَينًا على غَدِ
وقد قال الآخر:
يصَيِر بأعقابِ الأمورِ كأنُما ... تخاطبهُ من كل أمرٍ عَواقِبهْ
وقد كرر المتنبي هذا المعنى في موضع آخر ولم يحسن العبارة عنه فقال:
) مستَنبِط من عِلِمهِ ما في غَدٍ ... وكأنُ ما سيكون فيهِ دوُناُ (
وأول هذا المعنى قول أوي بن حجر:
الألمَعيُ الذي يَظُنُ بكَ الظُن ... كأنْ قد رأى وقد سمعاَ
وفي الكلمة يقول المتنبي:
) لمُا قَفلْتَ منَ السُواحل نحونَا ... قفَلَتْ إلَها وَحشةُ من عندِنا (
وإنما أخذه من قول البحتري:
رَحَلَ الأميرُ محَمدُ فترَحلتْ ... عَنُا عَصارةُ هذه النعُماءِ
ومما يناسب هذا اختراعاتك قولك:
) متى ما ازدَدْتُ من بَعْدِ التَناهي ... فقد وقعَ انتقِاصي ازْدياِدِ (
وهذا منقول من قول محمود:
أسَرعَ في نقَصِ امرئٍ تَمامُهُ ... تُدْبرِ في إقْبالهِ أيامُه
وقد أحسنُ ابن الرومي العبارة عن هذا المعنى فقال:
تُخالسهُ الأوقاتُ وهيَ نَماؤُه ... وتغَتاُلُه الأقواتُ وهيَ لهُ طَعْمُ
إذا ما رَأيتَ الشيء يُبليهِ عُمرُهُ ... ويفَسدِ أن يَبقى ففي دائِه عقْمُ
وهذا المعنى ينظر نظرًا إلى قول حميد بن ثور الهلالي:
أرى بصَري قد رابنيَ بعدَ صحةٍ ... وحسبكَ داءً تصح وتسلماَ
وحميد فيه نظر إلى قول النمر:
يوَدُ الفتى طُولَ السّلامة جاهدًا ... فكَيفَ ترىَ طولَ السّلامة يفعلُ
فلو شئت لاقتصرت عن التعرض لما هذه سبيله، لا سيما وأنت غرض لكلَ عرض، نهزة لكل متفرص. وما تصنع بقولك:
) فرَأيتُ قرْنَ الشّمس في قمرِ الدّجى ... متُأوُدًا غُصْنُ بهِ يَتأوَدُ (
مع قول مسلم:
هَيفاءُ في فَرعهاِ ليْلُ على قمرٍ ... على قضيبٍ على حقفِ النّقا الدَهسِ
كأنّ قلبي وشاحاها إذا خَطرَتْ ... وقلبْها قلبُهاُ في الصمتِ والخرَسِ
1 / 32