تجري محَبتهُا في قلبِ عاشقهاِ ... مجْرىَ السّلامةِ في أعضاء منتكسِ
وقلت: ومما استرقته وأفسدته قولك:
) ها فانظرُي أو فظمّيُ بي ترَىْ حُرقًا ... من لم ذقْ طرفًا منها فقدْ وألا (
علّ الأميرَ يَرىَ ذليّ فيشَفعَ لي ... إلى التي تركتنيَ في الهوىَ مثَلاَ (
وذلك أنك عرضت الممدوح للقيادة، برجائك إياه أن يكون شافعًا لك إلى من تحبه. وهذا من أقبح خروج وأسخف معنى تعاطاه شاعر في مخاطبة ممدوح. وإنما احتذيت فيه قول أبي نؤاس:
فلو شاء رَبّي لابتلاَهمْ بما به ابْتلاَناَ ... فكانواُ لا علَيْنا ولاَ لناَ
سأشكُو إلى الفضلْ بن يحيىَ بن خالدٍ ... هواكِ لعلّ الفضلَ يجمعُ بينناَ
وإنما ذهب أبو نؤاس في توجيه هذا إلى استعطاء الممدوح وإرفاده، أو تزوجها إن كانت حرة ودلَ على ذلك قوله في البيت الخير:
أميرُ رأيتُ المالَ في نغَمَاتهِ ... ذليلًا مهَينَ النفسّ بالضًيمِ مذُعنا
إذا ضنَّ ربُ المالِ ثوّبَ جُودةُ ... بحي على مالِ الأميرِ وأذّناَ
ويزيد هذا بيانًا قوله في هذه الكلمة، ذاكرًا رجلًا أشار إليه بالدينْ عينةً وابتياع هذه الجارية:
يرىَ الفضلَ قد آلى على نهْبِ مالهِ ... ويسألنيُ المأفُونُ أن أتعَيَناَ
فيا فضْلَ دارِاك صبْوتي بغُبارها ... فلا خَيرَ في حبيّ إذا زَنىَ
وهذا برهان واضح. فقال أبو الطيب: فاحتذيتُ معنى ومعنيين وثلاثة لأبي نؤاس، وهو إمام المحدثين، فكان ماذا؟ فقلت ومن إنحائك عليه وتقصيرك نه قوله:
إن الملُوكَ رأوْا أباَكَ بأعْينٍ ... كحلَتْ لهم بمرَاودِ الإعظامِ
فقلتَ:
) تعرفُ في عينهِ حقاَئقهُ ... كأنهَُ بالدّكاءِ مكُتَحلُ (
ومن هذا قول أبي نؤاس:
قَد فَهِمَ الإيحاء والصفيِراَ ... والكضفً أن تُومئ أوْ تشيرا
فنقلته فقلت:
) وأدُبها طُولُ الطُرادِ فَطَرْفُه ... يُشيُر إليها مِن بعيدٍ فتَفهضمُ (
وقال أبو نؤاس:
إلى فَتىً أُمُ ماشلهِ أبَدًا ... تَسعى بجيبٍ في الناس مشَقوقِ
فقلت وأحسنت:
) مَلْكُ إذا امتَلأتْ يَوْمًا خزَائِنهُ ... أذاقَها طعَم ثَكْل الأم للوَلَدِ (
وقال أبو نؤاس:
وإذا المَطي بنا بلَغَن مَحَمدًُا ... فظُهورُهن على الرُجالِ حرَامُ
فقلتَ، ولم تراقب سلبًا للمعنى واللفظ:
) وتعَذر الأحرارِ صيرَ ظهرهَا ... إلاُ إليَكَ عليُ فرَْجَ حَرامِ (
قال وأول من فظن لهذا المعنى الفرزدق بقوله:
أقولُ لناقَتي إذْ بلَغُتَني ... لقد أصبحتِ عندي باليمَينِ
حرَُمتِ على الأزِمة والوَلايا ... وأعْلاقِ الرُحالَةِ والوَضيِنِ
وقال أبو نؤاس:
يبكىَ فيَذري الدّمعَ من عينْه ... ويلْطمُ الَورْدَ بعُنابِ
فأخذته فقلت:
) ترىَ إليكَ بعينِ الظبْي مجهشةً ... وتمسَحُ الطلُ فوْقَ الوْردِ بالعَنمِ (
وأول من نظر لهذا المعنى المرقش فقال:
النّشرُ مسكُ والوُجوهُ دَنا ... نيرُ وأطرافُ الأكُفّ عنّمْ
فقال عمر بن أبي ربيعة وأحسن:
مقْبلاتُ من أسفلِ الجزْعِ بالرّيطِ ... اليماَني يرْفعَنَ ذيْلَ الرّبابِ
بأكفٍ كأنها قطعُ الثلجِ ... تطاريفهاُ من العنابِ
وقال بعض المحدثين:
من كَفّ جاريةٍ كأن ّ بناَنهاَ ... من فضةٍ قد طرَُفتْ عناباَ
وكأن يمنْاها إذا نقفتْ بها ... ألقتْ على يدها الشَمال حساباَ
وقال أبو تمام:
قالوا الرّحيل فأنَشبتْ أظفارَها ... في خدّها وقدِ اعتلقْنَ خضاباَ
فاخضر تحتَ بنانهاِ فكأنماّ ... غرَستْ بأرْضِ بنفسجٍ عُناّباَ
وأحسن المعلى الطائي كلّ الإحسان بقوله:
أهدَتْ سلامًا إلى قلبي مُخالسةً ... عينَ الرقيبِ برخْص المتنِ كالعنمِ
كأنما شافهَتْني في إشارتهاَ ... إليّ، عُناّيةُ أوْفتْ على قلمِ
وقال الشاعر من جبل السماق:
قالوا الرَحيلُ ضُحى غدٍ أوْ بعدهَ ... فلطمْنَ بالعنّابِ والأقلامِ
فقال البحتري وغيره العبارة:
حَسَرتْ عن بناَنها فأرَتْناَ ... ذَهبًا من خضابها في لجُينَ
فقال الناشئ المتكلم، وأحسن كل الإنسان:
1 / 33