وكذلك قدمت بنت بيدرا، وكانت مأسورة في بيت قازان، فأخبرت بما جرى بينه وبين أخيه وأمه مما يؤيد ذلك، وهي الساعة في نيتها تذهب إلى مصر، وقد أقامت في بيتهم مدة إلى نصف شوال على ما ذكرت. وسواء ألقى الله بينهم الفرقة والاختلاف وأهلك رؤساءهم أو لم يكن، فإن الأمر إذا كان كذلك فهذا عون عظيم من الله للمسلمين.
وقد اتصل بالداعي أخبار صادقة من جهات يوثق بها بما قد مال مع المسلمين من أمراء تلك البلاد، حتى من المغول، ولا بد أن السلطان يطالع بذلك من تلك البلاد، فهناك قوم صالحون ساعون في مصالح المسلمين كشيخ الجزيرة الشيخ أحمد.
وجاءتنا أخبار من غير واحد بأن الخربندا أخا قازان قد قدم الروم، وهو يجمع العساكر للقدوم.
وقدمت بنت لبيدرا كانت مأسورة في بيت قازان وذكرت أحوالا من الكلام بين قازان وأخيه الخربندا وأمه، تدل على ذلك، وأن الخربندا هو في نية فاسدة للمسلمين، وأمه تنهاه عن ذلك، وهو لا يقبل، ويوقع بينهم فتنة.
فليس من الواجب أن يترك نصر الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله إذا كان عدو الله وعدو المسلمين قد وقع اليأس بينهم، بل هناك يكون انتهاز الفرصة، ولا يحل للمسلمين أن ينتظروهم حتى يطأوا بلاد المسلمين كما فعلوا عام أول ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا(. والله قد فرض على المسلمين الجهاد لمن خرج عن دينه وإن لم يكونوا يقاتلونا. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يجهزون الجيوش إلى العدو وإن كان العدو لا يقصدهم، حتى إنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مصيبته أعظم المصائب، وتفرق الناس بعد موته واختلفوا، أنفذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد الذي كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام إلى غزو النصارى، والمسلمون إذ ذاك في غاية الضعف. فلما رآهم العدو فزعوا وقالوا: لو كان هؤلاء )ضعافا( ما بعثوا جيشا.
وكذلك أبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال لعمر بن الخطاب: )لا يشغلكم مصيبتكم بي عن جهاد عدوكم(. وكانوا هم قاصدين للعدو لا مقصودين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، وهو يقول: )نفذوا جيش أسامة، نفذوا جيش أسامة(. لا يشغله ما هو فيه من البلاء الشديد عن مجاهدة العدو.
والساعة لما ذهب أمير بحلب بعسكر إلى الجزيرة، وتصيد هناك، طار الصيت في البلاد.. العسكر، فامتلأت قلوب البنجاي كذا رعبا، أن يظهروا زي المسلمين لئلا يؤخذوا، وفي قلوب العدو رعب لا يعلمه إلا الله. وقد هيىء لهم في البلاد إقامات كثيرة من الشعير وغيره، والمسلمون هناك يدعون الله أن يكون رزق المسلمين.
وأقل ما يجب على المسلمين أن يجاهدوا عدوهم في كل عام مرة، وإن تركوه أكثر من ذلك فقد عصوا الله ورسوله، واستحقوا العقوبة. وكذلك إذا تقاعدوا حتى يطأ العدو أرض الإسلام. والتجربة تدل على ذلك، فإنه لما كان المسلمون يقصدونهم في تلك البلاد لم يزالوا منصورين. وفي نوبتي حمص الأولى والثانية لما مكنوهم من دخول البلاد كاد المسلمون في تلك النوبة أن ينكسروا، لولا أن ثبت الله، وجرى في هذه المدة ما جرى. وما قصدهم المسلمون قط إلا نصروا، كنوبة عين جالوت والفرات، والروم. ونحن نرجو أن يستأصلهم الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن البشارات متوفرة على ذلك.
وقد حدثنا أبي رحمه الله أنه كان عندهم كتاب عتيق وقف عليه من أكثر من خمسين سنة، قبل مجيء التتار إلى بغداد، وهو مكتوب من سنين كثيرة وفي آخره: والتتار يقلعهم المصريون. وقد رأى المسلمون أنواعا من المبشرات بنصر الله ورسوله، وهذا لا شك فيه إن شاء الله.
وليست هذه النوبة كتلك، فإن تلك المرة كان فيها أمور لا يليق ذكرها عفا الله عنها، وما فعله الله بالمسلمين كان أحمد في حقهم. ثم لا شك أن الله ينصر دينه وينتقم من أعدائه. وقد قال تعالى: (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم. يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
ثم في الحركة في سبيل الله أنواع من الفوائد:
صفحة ٣