بسم الله الرحمن الرحيم
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون).
(يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم: تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم في جنات عدن ذلك الفوز العظيم. وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين. يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: من أنصاري إلى الله، قال الحواريون: نحن أنصار الله. فآمنت طائفة من بني إسرائيل، وكفرت طائفة، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين).
(يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض. أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما، ويستبدل قوما غيركم، ولا تضروه شيئا، والله على كل شيء قدير. إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا، ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه: لا تحزن، إن الله معنا. فأنزل سكينته عليه، وأيده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم. انفروا خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
إلى سلطان المسلمين
نصر الله به الدين، وقمع به الكفار والمنافقين، وأعز به الجند المؤمنين، وأدالهم به على القوم المفسدين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد، فإن الله قد تكفل بنصر هذا الدين إلى يوم القيامة، وبظهوره على الدين كله. وشهد بذلك، وكفى بالله شهيدا.
وأخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة، وأخبر أنهم بالناحية الغربية عن مكة والمدينة وهي أرض الشام وما يليها، وكما أخبرنا أنه لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك قوما صغار الأعين ذلف الأنف، ينتعلون الشعر، كأن وجوههم المجان المطرقة.
وأخبر أن أمته لا يزالون يقاتلون الأمم حتى يقاتلوا الأعور الدجال، حين ينزل عيسى بن مريم من السماء، على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيقتل المسلمون جنده القادم معه من يهود أصبهان وغيرهم.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد دينها، ولا يكون التجديد إلا بعد استهدام.
وقال: )سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة، فأعطانيها(.
وما زالت دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، تظهر شيئا بعد شيء.
صفحة ١
وقد أظهر الله في هذه الفتنة من رحمته بهذه الأمة وجندها ما فيه عبرة حيث ابتلاهم بما يكفر به من خطاياهم، ويقبل بقلوبهم على ربهم، ويجمع كلمتهم على ولي أمرهم، وينزع الفرقة والاختلاف من بينهم، ويحرك عزماتهم للجهاد في سبيل الله وقتال الخارجين عن شريعة الله. فإن هذه الفتنة التي جرت، وإن كانت مؤلمة للقلوب فما هي إن شاء الله إلا كالدواء الذي يسقاه المريض ليحصل له الشفاء والقوة. وقد كان في النفوس من الكبر والجهل والظلم ما لو حصل معه ما تشتهيه من العز لأعقبها ذلك بلاء عظيما. فرحم الله عباده برحمته التي هو أرحم بها من الوالدة بولدها، وانكشف لعامة المسلمين شرقا وغربا حقيقة حال هؤلاء المفسدين الخارجين عن شريعة الإسلام وإن تكلموا بالشهادتين، وعلم من لم يكن يعلم ما هم عليه من الجهل والظلم والنفاق والتلبيس والبعد عن شرائع الإسلام ومناهجه، وحنت إلى العساكر الإسلامية نفوس كانت معرضة عنهم، ولانت لهم قلوب كانت قاسية عليهم، وأنزل الله عليهم من ملائكته وسكينته ما لم يكن في تلك الفتنة معهم، وطابت نفوس أهل الإيمان ببذل النفوس والأموال للجهاد في سبيل الله، وأعدوا العدة لجهاد عدو الله وعدوهم ، وانتبهوا من سنتهم، واستيقظوا من رقدتهم، وحمدوا الله على ما أنعم به من استعداد السلطان والعسكر للجهاد، وما جمعه من الأموال للإنفاق في سبيل الله. فإن الله فرض على المسلمين الجهاد بالأموال والأنفس. والجهاد واجب على كل مسلم قادر، ومن لم يقدر أن يجاهد بنفسه فعليه أن يجاهد بماله إن كان له مال يتسع لذلك، فإن الله فرض الجهاد بالأموال والأنفس. ومن كنز الأموال عند الحاجة إلى إنفاقها في الجهاد، من الملوك أو الأمراء أو الشيوخ أو العلماء أو التجار أو الصناع أو الجند أو غيرهم، فهو داخل في قوله سبحانه: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)، خصوصا إن كانت الأموال من أموال بيت المال، أو أموال أخذت بالربا ونحوه، أو لم تؤد زكاتها، ولم تخرج حقوق الله منها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين على الإنفاق في سبيل الله، حتى إنه في غزاة تبوك حضروا وكان المسلمون في حاجة شديدة. فجاء عثمان بن عفان بألف راحلة من ماله في سبيل الله بأحلاسها وأقتابها، وأعوزت خمسين راجلة فكملها بخمسين فرسا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: )ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم(، وذم الله المخلفين عن الغزو في سورة براءة بأقبح الذم حين قال: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم، وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها، ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين). وقال: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم).
فمن ترك الجهاد عذبه الله عذابا أليما بالذل وغيره، ونزع الأمر منه فأعطاه لغيره، فإن هذا الدين لمن ذب عنه.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: )عليكم بالجهاد، فإنه باب من أبواب الله يذهب الله به عن النفوس الهم والغم(. وقال صلى الله عليه وسلم: )لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة وقتال، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا(.
ومتى جاهدت الأمة عدوها ألف الله بين قلوبها، وإن تركت الجهاد شغل بعضها ببعض.
ومن نعم الله على الأمة أنها قد اجتمعت على ذلك في الشرق والغرب، حتى إن المؤمنين من أهل المشرق قد تحركت قلوبهم انتظارا لجنود الله، وفيهم من نوى أن يخرج مع العدو إذا جمعوا ثم، إما أن يقفز عنهم وإما أن يوقع بهم. والقلوب الساعة محترقة مهتزة لنصر الله ورسوله على القوم المفسدين، حتى إن بالموصل والجزيرة وجبال الأكراد خلقا عظيما مستعدين للجهاد، مرتقبين العساكر سواء تحرك العدو أو لم يتحرك.
صفحة ٢
وكذلك قدمت بنت بيدرا، وكانت مأسورة في بيت قازان، فأخبرت بما جرى بينه وبين أخيه وأمه مما يؤيد ذلك، وهي الساعة في نيتها تذهب إلى مصر، وقد أقامت في بيتهم مدة إلى نصف شوال على ما ذكرت. وسواء ألقى الله بينهم الفرقة والاختلاف وأهلك رؤساءهم أو لم يكن، فإن الأمر إذا كان كذلك فهذا عون عظيم من الله للمسلمين.
وقد اتصل بالداعي أخبار صادقة من جهات يوثق بها بما قد مال مع المسلمين من أمراء تلك البلاد، حتى من المغول، ولا بد أن السلطان يطالع بذلك من تلك البلاد، فهناك قوم صالحون ساعون في مصالح المسلمين كشيخ الجزيرة الشيخ أحمد.
وجاءتنا أخبار من غير واحد بأن الخربندا أخا قازان قد قدم الروم، وهو يجمع العساكر للقدوم.
وقدمت بنت لبيدرا كانت مأسورة في بيت قازان وذكرت أحوالا من الكلام بين قازان وأخيه الخربندا وأمه، تدل على ذلك، وأن الخربندا هو في نية فاسدة للمسلمين، وأمه تنهاه عن ذلك، وهو لا يقبل، ويوقع بينهم فتنة.
فليس من الواجب أن يترك نصر الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله إذا كان عدو الله وعدو المسلمين قد وقع اليأس بينهم، بل هناك يكون انتهاز الفرصة، ولا يحل للمسلمين أن ينتظروهم حتى يطأوا بلاد المسلمين كما فعلوا عام أول ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا(. والله قد فرض على المسلمين الجهاد لمن خرج عن دينه وإن لم يكونوا يقاتلونا. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يجهزون الجيوش إلى العدو وإن كان العدو لا يقصدهم، حتى إنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مصيبته أعظم المصائب، وتفرق الناس بعد موته واختلفوا، أنفذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد الذي كان قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام إلى غزو النصارى، والمسلمون إذ ذاك في غاية الضعف. فلما رآهم العدو فزعوا وقالوا: لو كان هؤلاء )ضعافا( ما بعثوا جيشا.
وكذلك أبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال لعمر بن الخطاب: )لا يشغلكم مصيبتكم بي عن جهاد عدوكم(. وكانوا هم قاصدين للعدو لا مقصودين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته، وهو يقول: )نفذوا جيش أسامة، نفذوا جيش أسامة(. لا يشغله ما هو فيه من البلاء الشديد عن مجاهدة العدو.
والساعة لما ذهب أمير بحلب بعسكر إلى الجزيرة، وتصيد هناك، طار الصيت في البلاد.. العسكر، فامتلأت قلوب البنجاي كذا رعبا، أن يظهروا زي المسلمين لئلا يؤخذوا، وفي قلوب العدو رعب لا يعلمه إلا الله. وقد هيىء لهم في البلاد إقامات كثيرة من الشعير وغيره، والمسلمون هناك يدعون الله أن يكون رزق المسلمين.
وأقل ما يجب على المسلمين أن يجاهدوا عدوهم في كل عام مرة، وإن تركوه أكثر من ذلك فقد عصوا الله ورسوله، واستحقوا العقوبة. وكذلك إذا تقاعدوا حتى يطأ العدو أرض الإسلام. والتجربة تدل على ذلك، فإنه لما كان المسلمون يقصدونهم في تلك البلاد لم يزالوا منصورين. وفي نوبتي حمص الأولى والثانية لما مكنوهم من دخول البلاد كاد المسلمون في تلك النوبة أن ينكسروا، لولا أن ثبت الله، وجرى في هذه المدة ما جرى. وما قصدهم المسلمون قط إلا نصروا، كنوبة عين جالوت والفرات، والروم. ونحن نرجو أن يستأصلهم الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن البشارات متوفرة على ذلك.
وقد حدثنا أبي رحمه الله أنه كان عندهم كتاب عتيق وقف عليه من أكثر من خمسين سنة، قبل مجيء التتار إلى بغداد، وهو مكتوب من سنين كثيرة وفي آخره: والتتار يقلعهم المصريون. وقد رأى المسلمون أنواعا من المبشرات بنصر الله ورسوله، وهذا لا شك فيه إن شاء الله.
وليست هذه النوبة كتلك، فإن تلك المرة كان فيها أمور لا يليق ذكرها عفا الله عنها، وما فعله الله بالمسلمين كان أحمد في حقهم. ثم لا شك أن الله ينصر دينه وينتقم من أعدائه. وقد قال تعالى: (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم. يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
ثم في الحركة في سبيل الله أنواع من الفوائد:
صفحة ٣
أحدها: طمأنينة قلوب أهل البلاد، حتى يعمروا ويزدرعوا، وإلا فما دامت القلوب خائفة لا يستقيم الحال. الثانية: أن البلاد الشمالية كحلب ونحوها فيها خير كثير ورزق عظيم ينتفع به العسكر.
الثالثة: أنه يقوي قلوب المسلمين في تلك البلاد من الأعوان والنصحاء، ويزداد العدو رعبا، وإن لم تحصل حركة فترت القلوب، وربما انقلب قوم فصاروا مع العدو، فإن الناس مع القائم. ولما جاء العسكر إلى الشام كان فيه مصلحة عظيمة، ولو تقدم بعضهم إلى الثغر كان في غاية الجودة.
الفائدة الرابعة: أنهم إن ساروا أو بعضهم، حتى يأخذوا ما في بلد الجزيرة من الإقامات والأموال السلطانية، من غير إيذاء المسلمين كان من أعظم الفوائد، وإن ساروا قاطنين متمكنين نزلت إليهم أمراء تلك البلاد من أهل الأمصار والجبال، واجتمعت جنود.. فإن غالب أهل البلاد قلوبهم مع المسلمين إلا الكفار من النصارى ونحوهم، وإلا الروافض ونحوهم من أهل البدع هواهم مع العدو، فإنهم أظهروا السرور بانكسار عسكر المسلمين وأظهروا الشماتة بجمهور المسلمين، وهذا معروف لهم من نوبة بغداد وحلب، وهذه النوبة أيضا كما فعل أهل الجرد والكسروان، ولهذا خرجنا في غزوهم لما خرج إليهم العسكر. وكان في ذلك خيرة عظيمة للمسلمين.
فإذا كانت عامة القلوب هناك وهنا مع هذا العسكر المنصور وقد أقامه الله سبحانه وأيده وأمده بنعمته على محمد وأمته، وقلوب العدو في غاية الرعب منه، والله لقد رأى الداعي من رعبهم ما لا يوصف، حتى إن وزيرهم يحيى قال قدام الداعي ومولاي يسمع: واحد منكم يغلب ستة من هؤلاء. وهكذا يخبر القادمون من هناك أنهم مرعوبون جدا. فمن نعمة الله على المسلمين أن ييسر غزاة ينصر الله بها دينه هنا وهناك، وما ذلك على الله بعزيز.
وليس من شريعة الإسلام أن المسلمين ينتظرون عدوهم حتى يقدم عليهم. هذا لم يأمر الله به ولا رسوله ولا المسلمون، ولكن يجب على المسلمين أن يقصدوهم للجهاد في سبيل الله، وإن بدأوا هم بالحركة فلا يجوز تمكينهم حتى يعبروا ديار المسلمين، بل الواجب تقدم العساكر الإسلامية إلى ثغور المسلمين. فالله تعالى يختار المسلمين في جميع الأمور ما فيه صلاح الدنيا والآخرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد عبده ورسوله.
والحمد لله وحده، وصلاته على محمد عبده ونبيه ورسوله وحبيبه وخليله، وعلى آله وصحبه أجمعين، عدد ما أحاط به علمه، وجرى به قلمه، حتى يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
آخر الرسالة، والحمد لله وحده.
فتوى حول التغني بالقرآن
)الحمد لله رب العالمين. ما تقول أئمة الدين، رضي الله عنهم وجعلهم عاملين بما علموا، مخلصين مصيبين، في قراءة القرآن بما يخرجه عن استقامته التي أجمع أئمة القراء عليها، من تمطيط، أو ترجيع بالألحان المطربة، أو مد مجمع على قصره، أو قصر مجمع على مده، أو إظهار ما أجمع على إدغامه، أو إدغام ما أجمع على إظهاره، أو تشديد ما أجمع على تخفيفه، أو تخفيف ما أجمع على تشديده، أو بما يزيل الحرف عن مخرجه أو صفته، وما أشبه ذلك مما يعانيه بعض القراء. وهل يجوز سماعها أو استماعها؟ فإن لم تجز، فهل يلزم سامعها أن ينكر على قارئها؟ فإن لزمه وترك فهل يأثم؟ وإن أنكر على قارئها ولم يقبل فهل يجب عليه شيء أم لا؟ أفتونا مأجورين يرحمكم الله. والحمد لله وحده(.
أجاب شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية: الحمد لله. الناس مأمورون أن يقرأوا القرآن على الوجه المشروع كما كان يقرأه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فإن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول.
وقد تنازع الناس في قراءة الألحان، منهم من كرهها مطلقا، بل حرمها. ومنهم من رخص فيها. وأعدل الأقوال فيها أنها إن كانت موافقة لقراءة السلف كانت مشروعة، وإن كانت من البدع المذمومة نهي عنها.
والسلف كانوا يحسنون القرآن بأصواتهم من غير أن يتكلفوا أوزان الغناء، مثل ما كان أبو موسى الأشعري يفعل. فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: )لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود(.
صفحة ٤
وقال لأبي موسى الأشعري: )مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فجعلت أستمع لقراءتك. فقال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا( أي لحسنته لك تحسينا. وكان عمر يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى، ذكرنا ربنا فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون لقراءته.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: )زينوا القرآن بأصواتكم(. وقال: )لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن، من صاحب القينة إلى قينته(.
وقال: )ليس منا من لم يتغن بالقرآن(، وتفسيره عند الأكثرين كالشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما هو تحسين الصوت. وقد فسره ابن عيينة ووكيع وأبو عبيد على الاستغناء به.
فإذا حسن الرجل صوته بالقرآن كما كان السلف يفعلونه مثل أبي موسى الأشعري وغيره فهذا حسن.
وأما ما أحدث بعدهم من تكلف القراءة على ألحان الغناء فهذا ينهى عنه عند جمهور العلماء، لأنه بدعة، ولأن ذلك فيه تشبيه القرآن بالغناء، ولأن ذلك يورث أن يبقى قلب القارئ مصروفا إلى وزن اللفظ بميزان الغناء، لا يتدبره ولا يعقله، وأن يبقى المستمعون يصغون إليه لأجل الصوت الملحن، كما يصغى إلى الغناء، لا لأجل استماع القرآن وفهمه وتدبره والانتفاع به. والله سبحانه أعلم.
صفحة ٥