وإحساني - مد الله في عمرك - في كتابي هذا إن كنت محسنا، صغير في جنب إحسانك، إذ كنت المثير له من مراقبه، والباعث له من مراقده. فلذلك صار أوفر النصيبين لك، وأمتن السببين مضافا إليك. وإن كنت قد قصرت عن الغاية، فأنا المضيع دونك. وإن كنت قد بلغتها ففضلك أظهر وحظك أوفر. لأني لم أنشط له إلا بك، ولا اعتمدت فيه إلا عليك.
ولولا سوقك التي لا ينفق فيها إلا إقامة السنة، وإماتة البدعة، ودفع الظلامة، والنظر في صلاح الأمة لكانت هذه السلعة بائرة، وهذا الجلب مدفوعا، وهذا العلق خسيسا.
فالحمد لله الذي عمر الدنيا بك، وأخذ لمظلومها على يديك، وأيد هذا الملك بيمنك، وصدق فراسة الإمام فيك.
وأية منزلة أرفع وأية حالة أحمد، ممن ليس على ظهرها عالم إلا وهو يحن إليه، أو قد صار إلى كنفه وتحت جناحه. وليس على ظهرها ظالم إلا وهو يتقيه، ولا مظلوم إلا وهو يستعديه.
ومن يقف على قدر ثواب من هذا قدره، وهذه حاله؟!
وعندي - مد الله في عمرك - كتب سوى هذا الكتاب، وليس يمنعني من أن أهديها إليك معا إلا ما أعرفه من كثرة شغلك، وكثرة ما يلزمك من التدبير في ليلك ونهارك. والعلم وإن كان حياة العقل، كما أن العقل حياة الروح، والروح حياة البدن، فإن حكمه حكم الماء وجميع الغذاء، الذي إذا فضل عن مقدار الحاجة عاد ذلك ضررا. وإنما يسوغ الشراب ويستمرأ الطعام الأول فالأول. فكذلك العلم يجري مجراه، ويذهب مذهبه.
صفحة ٣١٨