الرقة والبكاء لابن قدامة

ابن قدامة المقدسي ت. 620 هجري
74

الرقة والبكاء لابن قدامة

محقق

محمد خير رمضان يوسف

الناشر

دار القلم،دمشق،الدار الشامية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م

مكان النشر

بيروت

تَلْعَةٍ، جَاوَرْنَا قَوْمًا مِنَ الْفُرْسِ، لا نُجِيرُ عَلَيْهِمْ، وَلا نَمْنَعُ مِنْهُمْ. قَالَ: «فَلِلَّهِ عَلَيْكُمْ إِنْ أَبْقَاكُمُ اللَّهُ حَتَّى تَنْزِلُوا مَنَازِلَهُمْ، وَتَنْكِحُوا نِسَاءَهُمْ، وَتَسْتَعْبِدُوا أَبْنَاءَهُمْ، أَنْ تُسَبِّحُوا اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُحَمِّدُوهُ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُكَبِّرُوهُ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ» . قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» . قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزَهُمْ، مَرَّ بِهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْحَكَمِ هَلْ تَعْرِفُ هَذَا الْمَوْلَى الَّذِي قَامَ مِنْ عِنْدِنَا آنِفًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنَّا، فَعَنْ أَيِّ شَأْنِهِ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: قَالَ لَنَا كَذَا وَكَذَا. قَالَ: لا تَرْفَعُوا بِهِ رَأْسًا فَإِنَّهُ مَجْنُونٌ، يَهْذِي مِنْ أُمِّ رَأْسِهِ. قَالُوا: قَدْ رَأَيْنَا وَاللَّهِ ذَلِكَ حِينَ ذَكَرَ لَنَا مِنْ أَمْرِ فَارِسٍ مَا ذَكَرَ. قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَأْتِي بَنِي عَامِرَ، فَقَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟»، قَالُوا: بَنُو قُشَيْرٍ. قَالَ: «كَيْفَ الْمَنَعَةُ؟»، قَالُوا: لا يُرَامُ مَا قَبْلَنَا وَلا يُصْطَلَى بِنَارِنَا. قَالَ: «فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْكُمْ لِتَمْنَعُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالاتِ رَبِّي، وَلا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ» . قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ» . قَالُوا: فَأَيْنَ قَوْمُكَ عَنْكَ؟ قَالَ: «هُمْ أَوَّلُ مَنْ طَرَدَنِي وَكَذَّبَنِي» . قَالُوا: لَكِنَّا لا نُؤْمِنُ بِكَ وَلا نَطْرُدُكَ، وَسَنَمْنَعُكَ حَتَّى تُبَلِّغَ رِسَالاتِ رَبِّكَ. فَجَلَسَ، فَأَتَاهُمْ بَيْحَرَةُ بْنُ فِرَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ قُشَيْرٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي أُنْكِرُهُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْقُرَشِيُّ، زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: وَمَا لَكُمْ وَلَهُ؟، قَالُوا: أَتَانَا لِنَمْنَعَهُ حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ. قَالَ: فَرَدَدْتُمْ عَلَيْهِ مَاذَا؟، قَالُوا: قُلْنَا فِي الرُّحْبِ وَالسَّعَةِ، تَحَوَّلْ إِلَى بَلَدِنَا وَنَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا. قَالَ: فَمَا قَفَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ هَهُنَا بِشَرٍّ مِمَّا قَفَلْتُمْ بِهِ، تُرِيدُونَ أَنْ تُنَابِذُوا النَّاسَ عَلَى سَوَاءٍ وَتَرْمِيكُمْ عَنْ

1 / 116