الرقة والبكاء لابن قدامة
محقق
محمد خير رمضان يوسف
الناشر
دار القلم،دمشق،الدار الشامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م
مكان النشر
بيروت
عِوَضٌ مِنْكَ، وَالْجَنَّةُ عِوَضٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا أَمَرَكَ رَبِّي بِهَذَا إِلا لِمَا رَضِيَ لِي، إنَّ مَا عِنْدَهُ خَيْرٌ لِي فَامْضِ لأَمْرِ رَبِّكَ، وَلَكِنْ يَا أَبَتِ شُدَّ يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ لا أَجْتَذِبْ مِنْ حَزِّ الْمُدْيَةِ فَتَنْتَضِحُ بِدَمِي، يَا أَبَتِ كَفِّنِّي فِي ثَوْبَيْكَ، وَرُدَّ ثَوْبِي إِلَى أُمِّي تَسْتَنْشِقُ مِنْ رِيحِي يَكُونُ إِسْلَالُهَا.
قَالَ: فَشَدَّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، ثُمَّ شَحَذَ مُدْيَتَهُ، وَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: إِلَهِي لَكَ الْحَمْدُ فِي الدَّهْرِ الْبَاقِي، رَزَقْتَنِي الْوَلَدَ عَلَى كِبَرِ السِّنِّ، وَوَعَدْتَنِي، وَأَنْتَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَابْتَلَيْتَنِي بِهَذَا الْبَلَاءِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا رِضًا لَكَ فَأُسَلِّمُ لأَمْرِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَضَبٍ مِنْكَ عَلِيَّ فَأَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
قَالَ: فَبَكَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَتْ: نَبِيًّا مُنْكَبًّا لِوَجْهِهِ وَالآخَرُ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهُ! قَالَ: فَدَنَا مِنِ ابْنِهِ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أَيْ لِلْوَجْهِ لِئَلا يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهِ فَيَجْزَعُ.
قَالَ: ثُمَّ أَدْخَلَ شَفْرَتَهُ مِنْ تَحْتِ حَنَكِهِ، ثُمَّ أَمَرَّهَا، فَنَبَتِ السِّكِّينُ، وَانْثَنَتِ السِّكِّينُ، وَشَحَذَهُ، وَاتَّقَى النَّظَرَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ الشَّفْرَةَ لِحَلْقِهِ، فنَبَتِ الشَّفْرَةُ، وَكَلَّتْ، وَقَلَبَهَا اللَّهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ اجْتَذَبَهَا لِيَفْرُغَ مِنْهُ.
وَنُودِيَ: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا، عَلَيْكَ بِالَّذِي خَلْفَكَ فَاذْبَحْهُ دُونَهُ.
قَالَ: فَالْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ أَمْلَحَ.
فَتَرَكَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ فِي وَثَاقِهِ، وَاتَّبَعَ الْكَبْشَ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: فَأَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ كَمَا هُوَ فِي الْوَثَاقِ
1 / 85