قال الرجل مستغربا: كل البصل الذي عندنا من الصعيد، ومن الصنف الجيد، والغالب عليه أنه حار شديد الحرارة!
قلت: حسن، هذا ما نريد، فإذا جاءك أحد من تلاميذ هذه الفرقة فأعطه ما يطلب من هذا الصنف، ولا تتركه يفارقك حتى تذيقه الكفاية منه لمسيل الدموع؛ مقدار منديل أو منديلين، وقدم الحساب - باسمي - إلى ضابط المدرسة السيد عبد الحميد.
وكان السيد عبد الحميد هذا من أظرف الضباط الذين عرفناهم في المدارس الثانوية، وهو الذي كنا نسأله عن الحضور صباحا: هل دق الجرس الثاني؟ فيجيب وهو جاد لا يبتسم: من زمان يا أستاذ، قبل الأول!
وانصرف الرجل وهو لا يصدق أذنيه، حتى واجهته بالضابط الظريف وأفهمت هذا سر «المظاهرة» فتممها من فنونه المعهودة: ومنها أن البصل لازم للعمل في حصة الإنشاء، ومنها أن المطبخ قد أصبح ملحقا بالمعمل في دروس هذا الأستاذ! إلى آخر ما اخترعته بديهته التي لم تكن تخذله في مثل هذا المقام.
والتفت إلى الطلبة قائلا: من كان منكم يخزن في عينيه فائضا من الدمع فالبصل أولى بمهمة تصريفه من كراسة الإنشاء! •••
ولا يحسبني القارئ العصري الحديث أنني بالغت في شعوري بإفراط المنفلوطي في البكاء أو بإفراط فئة من شباب تلك الآونة في النعومة والفتور، فإنني لم أقل عن دموع المنفلوطي بعض ما رثاه به شوقي وهو يقول من أبيات كثيرة:
من شوه الدنيا إليك فلم تجد
في الملك غير معذبين جياع؟
أبكل عين فيه أو وجه ترى
لمحات دمع أو رسوم دماع؟
صفحة غير معروفة