معظم بلدان الدولة العثمانية. غير أن الطعام فيها متوافر قد تناهت كثرته وخرجت عن الحد المعتاد ، فخبزها نفيس ، وخمرها فاخرة ، وفيها أطيب الأسماك.
وفي العاشر من آذار ، بعد أن سرنا إحدى عشرة ساعة في أول أراضي ما بين النهرين الواقعة بين دجلة والفرات ، وهي التي يسمونها الآن ديار بكر ( Diar Bekr )، وصلنا مساء إلى شرملي وهي بلدة حسنة جدا ، ذات خان جميل وحمامات في أطرافها. وعلى ضعف رمية بندقية منها ، ينهض جبل فرد ، كأنه مونت مارتر قرب باريس. وحوله السهول ، وفوق قمته قلعة يحميها مائتا سباهي ، لأن الأعراب يعبرون الفرات أحيانا ويغيرون على ذلك الجانب. ففي سنة 1631 حينما كان الوزير الأول عائدا من بغداد ، وقد فقد معظم جيش السلطان دون التمكن من أخذ المدينة ، فإنه خوفا من أن يفقد رأسه إن رجع إلى القسطنطينية بهذه الخيبة ، ولعلمه بما له من سامي المنزلة في قلوب جنوده ، صمم على الإقامة فوق هذا الجبل ، وتشييد قلعة تحميه مما قد يتهدده. ولا شك أنه لو أفلح في تحقيق خطته لاستطاع أن يسود على كل ما بين النهرين ، ولخلق للسلطان قلقا زائدا. وذلك أنك إذا قصدت حلب ، سواء أكان قيامك من تبريز ، أم من الموصل ، أم من بغداد هذا ما لم يكن سفرك بطريق البادية لا بد أن تمر بشرملي للتزود بالطعام والماء ، وشرملي هذه تشرف عليها القلعة المذكورة. ولقد سار العمل في القلعة سيرا حثيثا ، فأقيم حصن مكين ، واستطاع الوزير أن يسور الجبل ، بما فيه الخان ، بسور ثخنه عشرون قدما ، وارتفاعه ثلاث قامات. وفيما كان منهمكا في عمله ، خنقه بعض من ركن إليهم أشد الركون ، ممن استمالهم السلطان إليه ، بالوعد أو بالوعيد.
وفي الحادي عشر من آذار ، بعد مسيرة عشر ساعات ، انتهينا إلى اورفا ، وفيها تمكث القوافل عادة ثمانية أو عشرة ايام ، لأن فيها مؤجري الخيل والبغال ، ولهم على الدوام أشغال وعلاقات بهذا المكان. وحللنا في خان يبعد 300 أو 400 خطوة عن شمالي المدينة. وعندما يزدحم هذا الخان بالمسافرين ، يلجأ من لا يتسع الخان لهم إلى كهوف قريبة منه. وهي أماكن
صفحة ٣٢