ضفاف الفرات ، فأبصرنا البيرة في الجانب الآخر من النهر. ولما كان نقل جميع الأحمال إلى الضفة الثانية من النهر في يوم واحد غير ممكن في بعض الاحوال ، فقد أقيم هناك خان كبير مريح يحمي التجار من البدو ، وإلا ساورهم القلق وصاروا عرضة لشر اللصوص. فلو لا هذا الخان لما حوفظ عليهم ولا على بضائعهم بهذا الوجه المأمون.
ويعبر نهر الفرات بمعبر كبير من القوارب ، وعند بلوغ ضفته الثانية ، يهرع ضابط الجمرك ورجاله إلى تسجيل البضائع ، وتدوين اسماء التجار مالكيها. أما قافلتنا ، فلم تدخل المدينة المشيدة بهيئة مدرج نصف دائري ، عند سفح جبل وعر ، بل سلكت طريقا رديئا ووجهتها خان يعلو قمة الجبل. وبالقرب من هذا الخان طائفة من الغرف المنقورة في جوف الصخر ، يلجأ إليها من لا يتسع الخان له. وعند المساء جاءنا ضابط الجمرك يتقاضى رسومه ، وهي قرشان عن كل حمل من البضاعة إن كانت محملة على حصان أو بغل ، ذلك بغض النظر عن أن ما تحمله البغال يفوق ما تحمله الخيل كثرة ، ويتقاضى نصف قرش عن كل دابة تحمل المتاع. أما الخيل والبغال المسرجة فلا رسم يؤخذ عليها.
والبيرة ، او بيره جك ( Berygeon ) كما يسميها أهلها ، من بلدان الشرق الكبيرة ، تقع على حافة تل ، وفي أسفل المدينة من جهة النهر حصن يبدو أنه قديم ، طوله نصف طول المدينة ، ولكنه ضيق ، وليس فيه من التحصينات غير برج مطل على النهر ، ذي ثمانية أو تسعة مدافع حقيرة. وفي أعلى المدينة حصن آخر يقيم فيه حاكم المدينة وهو «آغا» ويلقبه بعضهم ب «باشا». وبإمرته مائتا إنكشاري (1) وأربعمائة سپاهي (2). إن المدينة مبنية بناء سقيما على غرار
صفحة ٣١