فالخلاف من ذلك فهو ظاهر لمن يعرف مواضع الدنيا ؛ انتهى. وبهذا البرهان الظاهر الموجود الآن لكل من أراد أن يسأل عن الأنهار الأربعة في أي بلد هو ابتداؤها ، فيجد ذلك بخلاف ما قال عن الجنة أنه كان فيها أبونا آدم عليه السلام . وإذا رأى وتحقق من خفي عليه ذلك أن كل ما ذكر في الأنهار وهي أربعة تشهد شهادة متفقة أن من قال عليها أنها تخرج من عين واحد في الجنة في الأرض قال الباطل ، فيبطل أيضا كلما قال في أبينا آدم عليه السلام أن الله تبارك وتعالى خلقه في الأرض. وأما ما تقوله النصارى واليهود عن الجنة أن ليس فيها شيء من نعايم الدنيا من المأكل والمشرب وغير ذلك ، فقالوا الحق في خاصتهم ، لأنها محرمة عليهم ، إذ هم كفار ، والمسلمون هي لهم بفضل الله سبحانه ، وشفاعة نبيه ورسوله : سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد وقع كلام مثل هذا في مدينة برضيوش مع القاضي المسمى فيرض ، وكانت مواجبي في الأمور الشرعية عنده ، وكان ينصحني كثيرا. وكان يعرف اللسان الأندلسي العجمي. وقد وجب له دراهم كثيرة ، وأردت أن أخلصه ، ولا قبل مني شيئا ، وقال لي : يا فلان تعجبت منك ، كيف أنت على دين المسلمين؟ قلت له : لماذا؟ قال : لأن عندنا في كتبنا أن المسلمين يزورون مكة ليروا نبيهم في الهواء في وسط حلقة حديد في الهواء ، لأن الحلقة في الهواء في وسط قبة حجر المغناطيس ، والمعروف منه أنه يجذب الحديد ، والجذب في القبة على حد سواء من كل جهة ، وتبقى الحلقة في الهواء بنبيكم ، والمسلمون يعتقدون أن ذلك معجزة لنبيهم. قلت له : هل يجوز في دينكم لأحد أن يكذب ، وإن كان بنية تقبيح دين غيره لتحسين دينه وتزيينه لأهل ملته؟ قال : لا يجوز ذلك ، قلت : النصارى الذين قالوا ذلك أذنبوا ذنبا كبير في دينكم ، قال : كيف ذلك؟ قلت : لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو بمكة ، وليس هو في حلقة الحديد ، بل هو مدفون في المدينة ، وبينها وبين مكة عشرة أيام ، والمسلمون يزورون الكعبة لأنها دار (95) مباركة بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام . قال : زرتها أنت ورأيت قبر نبيكم تحت الأرض؟ قلت له : لا ، ولكن الذين مشوا عندنا يقولون ذلك من غير اختلاف ، وهي مسألة لا شك فيها قال : عندكم مسألة أخرى : إنكم
صفحة ٨٠