* الباب التاسع
* في قدومنا إلى مدينة برضيوش
* وما وقع لي فيها من المناظرات
اعلم إنها من أعظم مدن فرنجة على حاشية نهر عظيم (93). وفيها ثمانون قاضيا ، ومائتان وكيلا ، والمفتون ، والكتاب بلا حساب ، وفيها ديوان يحكم على كثير من البلدان. ومما وقع لي مع بعض القسيسين في دار قاضي الأندلس ، جاء إليها قسيسان لقضاء غرض قيل لهما عني إني مسلم ، وجاء اني وقالا لي : أنت مسلم؟ قلت لهما : نعم ، قالا : تعتقدون أن في الجنة أكلا وشربا وتنعما مثل ما في الدنيا ، قلت لهما : لم تنكران ذلك؟ قالا : لأن من تفل الطعام تكون النجاسة ، ومن المحال أن تكون النجاسات فيها ، قلت لهما : أما عندكم في كتبكم أن الله تبارك وتعالى حين خلق أبانا آدم عليه السلام أذن له أن يأكل من جميع الفواكه في الجنة ، إلا من شجرة واحدة ، قال له : لا تأكل منها ، لأنك إذا أكلت منها تموت. قالا : هكذا هو ، قلت لهم : لو لا أكل من الشجرة لكان فيها إلى الآن ، قال نعم هو كذلك ، قلت : فكان يأكل من الفواكه ولم يعمل له تفلا ، وكذلك لو بقي إلى الآن. وأما التفل ما كان إلا من فاكهة الشجرة المنهى عنها ، وكذلك رجع أبونا آدم عليه السلام وجميع من كان من أهل السعادة من أولاده يأكلون فيها ، ولا تخرج منهم نجاسة أبدا. قالا : الجنة التي كان فيها أبونا آدم كانت في الأرض ، والتي تمشي إليها الناس في الآخرة هي السماء قلت : ما كان أبونا آدم عليه السلام إلا في السماء لأن كل ما يكون في الأرض لا يسقى بجنة لأنه مقهور بالعناصر الأربعة ، ولابد من التغيير بسببها ، ولابد من النور والظلمة ، والجنة ليس فيها تغيير ولا ظلمة. وهذا برهان أن سيدنا آدم عليه السلام كان في جنة من السماء ، فبهت الذين كفروا.
واعلم أن النصارى واليهود يقولون بما في الباب الأول من التوراية. قال إن الله
صفحة ٧٨