لنذهب إلى الدار التي كنت نازلا بها ، وقالوا لي : لا تقم نحن نبعث معك خدامنا ، واقعد معنا للكلام ، قالت المرأة : كيف أباح لكم نبيكم أن تنكحوا أربعة نساء والله تبارك وتعالى لم يعط لأبينا آدم عليه السلام إلا امرأة واحدة. ولما رأى القضاة الحاضرون أن هذه المسألة عقلية أعانوها وتقووا علي بهذه الحجة ، قلت لهم : أمنا حوى ظهر فيها بركة أكثر مما تظهر في أربعة نساء من زماننا ، لأنها ولدت كذا وكذا مرة ذكورا وإناثا ، ونساء زماننا إحدى تكون مريضة ، وأخرى عاقرة ما تلد أبدا ، ومثل الأغراض كثير فيهن ما لا كانت في أمنا حوى ، قالوا : سيدنا عيسى عليه السلام أمر أن لا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة ، وأنتم تأخذون أربعة ، قلت لهم : الأنبياء الأوايل عليهم السلام مثل سيدنا إبراهيم ، وسيدنا يعقوب وغيرهم ، في أي مقام هم عندكم. قالوا في مقام محمود ومرضيين عند الله تعالى ، قلت : كيف كانت لهم نساء كثيرة ، وجواري كما في ديننا ، وكان لسيدنا سليمان عليه السلام سبعمائة امرأة بالنكاح وثلاثمائة جارية كما هو في التوراية ، قالوا : تلك الزمن أبيخ ذلك ليكثر النسل ، والآن الدنيا عامرة ، قلت : قرأت في التوارة في كتب التواريخ أن بعض السلاطين في الزمن الأول كانوا يحركون بثمانمائة ألف رجل ، جيشا ، والآن ليس في الدنيا سلطان من يجمع للحرب ذلك العدد إلا السلطان السيد الكبير. وهذا برهان أن الدنيا كانت عامرة. ثم قال لي القاضي : ولحم الخنزير ، لماذا هو ممنوع عندكم؟ قلت : لأنه نجس ، لأنه لا يأكل إلا النجاسات ، وحتى في الإنجيل هو ممنوع ، قالوا : ليس بممنوع ، وأين المنع في الإنجيل؟ قلت : قرأت فيه أن مجنونين كانا في المقابر ، رديان جدا حتى أنه لم يقدر أحد أن يجوز من تلك الطريق فصاحا قائلين : ما لنا ولك يا يصوع ابن الله! أجئت ها هنا لتعذبنا؟ وكان هناك قطيع خنزير كثيرة ترعى بعيدا منهم فطلبا إليه (87) الشياطين قائلين : إن كنت تخرجنا من هاهنا فارسلنا إلى قطيع الخنازير ، فقال لهم : اذهبوا! ولما خرجوا مضوا ، ودخلوا في الخنازير ، وإذا بقطيع الخنازير كله قد وثب على جرف وتواقع في البحر ، ومات جميعه في المياه ، وهرب الرعاة وكانوا نحو ألفين ، قلت لهم : الأنبياء عليهم السلام كانوا يخسرون الناس في أموالهم؟ قالوا : لا ، قلت لهم : هذا
صفحة ٦٨