ثالث ثلاث ما لا يقبل العقل أبدا ، وذلك نقصان في حقه تعالى. وقال أبرت : هذا التثليث في الإله لا يعرفه ولا يفهمه إلا من قرأ علم المنطق ، قلت : وأنت قرأته ، قال : نعم. قلت له : بين لي كيف هم ثلاثة وواحد ، لأن أهل ديننا لا يقبلون إلا واحدا ، ولا عبدوا إلا إلها واحدا ، وفي الحساب أما واحد وأما ثلاثة ، وهم واحد فضدان لا يجتمعان ، قال الراهب : جاني اليوم الآخر إلهام وبيان مقبول يدل على أن سيدنا عيسى عليه السلام كان ابن الله حقيقة ، وكان هو أيضا إلها ، وكتبته أتجب أن آتيك به تسمعه ، قال له أبرت إيتني به ، فمشى سريعا لبيته ، وأتى به ، وقرأه بالفرنج وعجبتهما ، وقالا هذا شيء عجيب ، قلت له : ماذا قال في ورقته؟ قال الراهب : الله تبارك وتعالى حين خلق الدنيا أمر كل شيء من المخلوقات في الدنيا أن يخرج وينبت ويلد على طبعه ونوعه ومثله ، ورا الله تعالى أن ذلك صلاح ، فعرفت أن هذا القول أخذه من الباب الأول ومن التوراية ، قال لي : ماذا تقول : فهل ذلك صلاح؟ قلت : نعم ، كلما أمر الله تعالى به فهو صلاح ، قال حين رأى الله تبارك وتعالى أنه صلاح ، أن كل شيء يخرج ويلد على كيفه ومثله أراد هو أن يكون له ولد مثله ، قال : ماذا تقول؟ قلت له : على هذا القياس كان سيدنا عيسى يحتاج أن يكون له ولد مثله وابنه يكون له ابن آخر ، فتكثر الآلهة إلى ما لا نهاية لها ، قلت له : ما تقول؟ فبهت ، وبقي بورقته مبطلة غير مقبولة ، وكذبه ظاهر. قال الله تعالى : ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، إن يقولون إلا كذبا ) (73)، وذهبنا عن الراهب.
صفحة ٥٧