فجذبه ، وحرك الحبل داخلا ناقوسا فيه ، فسمع ضربه الموكل وجاء راهب إلى الباب وتكلم من طاقة صغيرة في دفة الباب بعد أن أزاح منها لوحا صغيرا ، وطلب منه أبرت الدخول ، ولما دخلنا رأينا الحيال والمترهبين يجذبون الماء به ، ورأيت الرهبان باللحا غير مقصوصة ، ما ليس من عادة المترهبين ، قلت لأبرت : هذا الرهبان عندهما أولاد؟ قال هو متعجب كيف تسأل عن أولادهم : أما علمت أن الرهبان لا يتزوجون؟ قلت : رأيتهم بلحا طوال ، فاستدللت (كذا) أنه يكون لهم أولاد وأنا عارف بأمرهم ، قال لي : الدراوش على أنواع. وسأله الراهب عني ، قال له : مسلم من مراكش ، فتعجب وقال : بلغني أن أخي فلانا شقيقي كان بإصطنبول ودخل في دين التركييين ونفسي تحدثني أن أمشي إلى تلك البلاد نلتقي بأخي ، قال له ابرت : ماذا تريد ببلاد المسلمين؟ قلت للراهب : هل هو أفضل عند الله تعالى ، وعندكم ترك الزواج. قال الراهب : كثير يتزوجون. قلت له : قدر أن السلطان نادى رجلين وأنعم عليهما ، فالواحد قبل نعمة السلطان وشكره عليها شكرا دايما ، والثاني لم يقبلها ، وذلك أن الله عز وجل زين هذا العالم من أجل بني آدم الذي يعمل قدر جهده ليكون له أولاد ليشكروا الله تعالى بعده على ما أنعم عليه فهو بشاكر ، والذي لم يقصدهم ولا يريدهم فليس بشاكر. قال كثير من يتزوج ، قلت : الزواج سبب في الأولاد لعمارة العالم وعبادة الله ، والشكر عليها ، لأن الإنسان فان ، ثم قلت له : هل في دينكم يوم الحساب؟ إذا سئل إنسان عن عمل صالح تركه أو عمله ، هل ينجو بقوله أنا ما عملته ولكن عمله غيري؟ فتوقف الراهب عن الجواب ، وقال لنا : ادخلوا معي فدخلنا بستانا. وبينما كنا سائرين في الطريق بين الأشجار رأيت شجرة لم تثمر ، قلت : لماذا غرستم هذه الشجرة؟ قال : لتثمر وتعمل فاكهة ، قلت : إذا لم تعمل فاكهة ما يصنع بها؟ فتبسم ، وعلم أن المثال كان عليه. ثم جزنا إلى قدام ، إلى بين الأشجار غلاظ وطوال جدا ، وظهر لي أن من مثلها يعلمون صواري السفن ، ولما كنا في الموضع بين الأشجار الكبار ، ولم يظهر أحد قالا لي : تعجبنا منك تحفظ الألسن وتقرأ الكتب ، وسرت في المدن وأقطار الدنيا ومع هذا تكون مسلما! قلت لهم : العجب هو منكم تقرؤون الكتب والعلوم وأنتم من أهل هذه المدينة الكبرى ومع ذلك تقولون على الله تعالى الذي خلق كل شيء وهو واحد قبل كل شيء وبعده أنه
صفحة ٥٦