قسنطينة (1)، جبر الله صدعها ، وكفاها من نوائب الدهر ما واصل قرعها ؛ وهي مدينة عجيبة حصينة ، غير أنها لخطوب الدهر مستكينة ؛ قد ذبلت ببوارح الغير ، وفوادح الضرر رياضها ، ونضبت بسهائم الآفات ، وعظائم الملمات حياضها ، حتى صارت كالحسناء لبست أسمالا ، والكريم فقد مالا ، والبطل أثخنته الجراحة حتى لم يطق احتمالا ؛ فهي تري الحوادث لمحا باصرا (2)، وتنادي بلسان الحال : «ذل لو أجد ناصرا» (3) [الخفيف]
من رأيت المنون خلدن أم من
ذا لديه من أن يضام خفير (4)
وبها للأوائل آثار عجيبة ، ومبان متقنة الوضع غريبة ، وأكثرها من حجر منحوت ، يعجز الوصف إتقانه ويفوت ؛ وقد دار بها واد شديد الوعر ، بعيد القعر ، أحاط بها كما يحيط السوار بالمعصم ، ومنعها (5) كما يمنع النيق (6) الأعصم (7)؛ ولكن سهام الدهر لا تقيها الجنن (8)، ولا تمنع منها القنن (9)؛ وريب المنون وصرف الزمن ، قد أعيت الحيلة فيها من ومن.
صفحة ٩٤