269

* [نقد المسالك والممالك للبكري]

ومازال أهل الإتقان يقعون في مثل هذا. ألا ترى إلى أبي عبيد البكري مع تحقيقه (1) وفرط اعتنائه ، ونبل تواليفه ، قد أودع في مسالكه من الغلط في صفات البلدان ، وتحديدها وترجمتها ما لا غاية وراءه. فمن ذلك قوله في إيلياء مدينة بيت المقدس : «إن الجبال محيطة بها» وإنما (2) هي في نشز من الأرض كما ذكر ، وليس بالقرب منها جبل إلا رواب وتلال. وأظنه سمع بما دار بها من الوعر ، وما حازها من جهات الأودية المنقطعة ، فظنها جبالا. ومنه قوله في وصف قصر الجم بإفريقية وهو قصر الكاهنة : «إن في دوره نحوا من ميل» (3) وقد طلعت (4) إلى أعلاه ، وتأملته ولو رمى الرامي حجرا لخلفه به. ومن ذلك قوله في سرت : «إنها مدينة كبيرة على ساحل البحر بها حمام وأسواق ، ولها بساتين ونخل» (5)، وهذا كله لا وجود له ، وإنما هي قصير صغير يعرف بالمدينة ، وهو أول قصور سرت من جهة الشرق. وبينه وبين البحر مسافة ، وما للنخل بسرت كلها وجود ، وأظنه [85 / آ] سمع بأن التمر عندهم كثير ، فحكم بوجود النخل عندهم ، وغلط في عكس القضية. والتمر عندهم مجلوب من بلاد أوجلة (6). ومن ذلك قوله في نفيس (7) بالمغرب الأقصى «إنها مدينة

صفحة ٣٣٨