في الحصن احتياطا عليه من الفساد زعموا وجعلوا المعترك خارج الحصن إلى مسافة منه ، ونصبوا لذلك حدودا وأعلاما ؛ فهم يتقاتلون من ورائها ، فإذا آوتهم حدود الحصن لم يرم أحد منهم حجرا ، و[لو] (1) اجتمع بقاتل حميمه (2) لا يعرض له ، فإذا خرجوا من حرم الحصن اشتعلت نار الحرب بينهم. هذا دأبهم لا يغدرون ولا ينقضون ، وخافوا فساد حصنهم ولم يخافوا فساد كونهم! واستباحوا ما حرم الله من قتل النفس ، وامتنعوا من [5 / ب] خرم ما شرعوه بينهم من قانون السخف! و «كل مستعمل وميسر لما خلق له» (3). لا جرم أن فيهم آحادا لا بأس بهم ، وخصوصا من جال منهم ورأى الناس. وعامتهم جاهلية الطباع ، ولكن مكارم الأخلاق عامة لأكثرهم. وقد سمعت سيدي الفقيه الجليل الفاضل أبا بكر بن عبد العزيز رحمه الله يحكي عن والده الشيخ الصالح القدوة أبي محمد وكان دخل بلاد القبلة أنه كان يقول : «الغرب دنيا بلا رجال ، والقبلة رجال بلا دنيا» أو كلاما هذا معناه ؛ وإنما يعني مكارم أخلاقهم مع أن عيشهم غير متسع كاتساعه في الغرب.
وما زلنا في كنف لطف الله تعالى وتحت ذيل عنايته (4) لا يهيجنا أحد إلا رده الله عنا خاسئا (5) حتى انفصلنا عنها في أزيد من ثلاثين مرحلة.
صفحة ٤٤