وكأنه ترصيع معنوي وقلما يوجد إلا في نادر من الكلام ، وقد استغرب أبو الفتح بن جني (1) ما حكي عن المتنبي في قوله : (2) [الطويل]
وقد عادت الأجفان قرحا من البكا
وعادت بهارا في الخدود الشقائق (3)
قال : سألته هل هو قرحى ممال أو قرحا منون؟ فقال لي : قرحا منون ، ألا ترى أن بعده : وعادت بهارا. قال : يعني أن بهارا جمع بهارة (4)، وقرحا جمع قرحة. ثم أطنب في الثناء على المتنبي واستغراب (5) فطنته لأجل هذا.
وبيان ما ذكرت في الآية أنها متضمنة لقسمين : قسم الضلال وقسم التذكير ، فأسند الفعل الثاني إلى ظاهر حسب إسناد الأول ولم يوصل بضمير مفعول ، لكون الأول لازما ، فأتى بالثاني على صورته من التجرد [34 / آ] عن المفعول ، ثم أتى به أخيرا بعد اعتدال الكلام ، وحصول التماثل في تركيبه ، ولو قيل : إن المفعول حذف لكان أبلغ في المعنى المذكور ، وتكون الأخرى بدلا أو نعتا على جهة البيان ، كأنه قال : «إن كان ضلال من إحداهما ، كان تذكير من الأخرى» ، وقدم على الأخرى لفظ إحداهما ليسند الفعل الثاني إلى مثل (6) ما أسند إليه الأول لفظا ومعنى والله أعلم.
صفحة ١٥٤