فيا صديقي الذي كان حرا، هل أنت حقا من دعاة الوطنية الجديدة؟ هل أنت من المبشرين بالروح القومية التي لا تعرف التقسيم والتحزب؟ هل أنت من أنصار المبادئ الوطنية الشاملة العامة؟ هل أنت حر تسير أمام قرائك إلى الأمام؟ هل أنت من قادة الرأي العام الذين سيذكرون في المستقبل إذا ذكر البناءون والمصلحون؟ إذا كنت كذلك فالرأي الذي أبديته لا ينطبق قطعا على المبادئ التي نحن ننصرها ونسعى في تعزيزها. إذا كنت كذلك فاقتراحك تأسيس لجان محلية اقتراح مضر بخطة وطنية طالما فاخرت بها وجعلتها شعار جريدتك.
إن بليتنا الكبرى يا صديقي لهي في التفريق والتقسيم والتحزب، في التفريق الجنسي، والتقسيم القروي، والتحزب الديني، بليتنا أننا لا نفكر في أمورنا الوطنية كوطنيين، كسوريين، بل كشويريين وكسروانيين ومرجعيونيين ودمشقيين ... إلى آخره من السخافات والضربات القروية. وما زلنا نفكر كذلك ونعمل كذلك، وما زال فينا من قادة الرأي العام أناس يؤيدون هذه الفكرة السخيفة العقيمة الذميمة، فلا أمل - والله - بوطنية ننشدها، ولا رجاء بتحقيق مبادئنا القومية الجديدة.
الفكرة القروية يا صديقي إنما هي السبب الأول في تقهقرنا وانحطاطنا، في شقاقنا وضعفنا وفسادنا، الفكرة القروية فكرة سخيفة عقيمة، خسيسة ذميمة. إن الفكرة القروية لمن أكبر أعداء الوطنية. فهل أنت وطني أم قروي؟
إذا سمحت لي أن أجاوب عنك أقول بعد الجواب: لا تغمد سيفك إذا إلى أن تصرع الفكرة القروية فنراها أمامنا مائتة. إن سم هذه الفكرة لمن أخبث السموم، ومن أول نتائجه أنه يسري إلى البصر فيجعل صاحبه قصير النظر. خذ لك مثلا: قصدت الحكومة اللبنانية مرة تبني طريق عربات بين قريتين وقررت أن يتقاسم أهل القريتين النفقات مناصفة، فاحتج أحد الفريقين، أنهم لا يدفعون إلا ربع المصاريف؛ لأنهم لا يسافرون كثيرا مثل سكان القرية الأخرى!
أمثل هذه العاطفة تدعى يا ترى عاطفة وطنية؟ أوبمثل هذه العاطفة تشيد أعلام العمران وترفع أركان المدنية؟ إذا كنا لا نرى في التكافل والتضامن مصلحتنا الخصوصية التي تتألف منها المصلحة الوطنية، فتربيتنا السياسية ناقصة فاسدة، ووطنيتنا من زخرف الكلام الذي قلما نحسن سواه.
ساعدنا يا صديقي لننفي عنا هذه التهمة، ساعدنا لنقتل الفكرة القروية، التي هي عدوة الوطنية. ساعدنا لنعزز - قولا وعملا - المبادئ القومية الجديدة التي لا تعرف التقسيم والتحزب والتفرقة، ساعدنا لنزرع في العقل السوري بذور الحقيقة السياسية الكبرى، وهي هذه: المصلحة الوطنية تتألف من المصالح الخصوصية، والمصالح الخصوصية لا تقوم إلا بالتضامن والتعاون، الفرد للكل والكل للفرد، فإذا عملنا بهذا المبدأ صرنا أمة ذات شأن، وإلا فعلى آمالنا الوطنية السلام.
في الحرب وبعدها
في الدرجة الثالثة
1
من المشاهد التي لا أنساها حياتي مشهد الجنود الإفرنسية في ال «غاردي لست» وال «غاردي تور»
صفحة غير معروفة