149

روضة الطالبين وعمدة المفتين

محقق

زهير الشاويش

الناشر

المكتب الإسلامي

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤١٢ هجري

مكان النشر

بيروت

فَرْعٌ.
الْعَادَةُ الَّتِي تَرُدُّ إِلَيْهَا الْمُعْتَادَةُ، لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ عَادَةَ حَيْضٍ وَطُهْرٍ صَحِيحَيْنِ بِلَا اسْتِحَاضَةٍ، بَلْ قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَكُونُ مُسْتَفَادَةً مِنَ التَّمْيِيزِ، بِأَنْ تَرَى الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ حُمْرَةً، وَهَكَذَا مِرَارًا، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ، فَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ عَادَتَهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ، فَتَرُدُّ إِلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ.
وَعَلَى الشَّاذِّ: هِيَ كَمُبْتَدَأَةٍ غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ. وَلَوْ كَانَتْ بِحَالِهَا، فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ عَشَرَةً سَوَادًا، وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ السَّوَادُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ، فَقَالَ الْأَئِمَّةُ: فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ السَّوَادِ، وَمَرَدُّهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةٌ.
وَلَوِ اعْتَادَتْ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ، ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ عَشَرَةً، رَدَّتْ فِي ذَلِكَ الدَّوْرِ إِلَى الْعَشَرَةِ. وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إِشْكَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ، يَنْبَغِي أَنْ تَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ رَدَّهَا إِلَى الْعَشَرَةِ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى، طَاهِرٌ إِذَا أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَلَا تَكْتَفِيَ بِسَبْقِ الْعَشَرَةِ مَرَّةً.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا: هَذِهِ عَادَةٌ تَمْيِيزِيَّةٌ، فَتَنْسَخُهَا مَرَّةٌ، فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ، إِذَا تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا الْقَدِيمَةُ مَرَّةً، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْحَالَةِ النَّاجِزَةِ. وَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقُولَ: لِمَ اخْتُصَّ الْخِلَافُ بِغَيْرِ التَّمْيِيزِيَّةِ؟ .
قُلْتُ: قَدْ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْمَحَامِلِيُّ، وَالسَّرَخْسِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ (الْبَيَانِ) وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي (شَرْحِ الْمُهَذَّبِ)

1 / 151