وبعد، فإن الوقائع التي عظمت أحاديثها في الآفاق، وحفظت بها دماء المسلمين من أن تراق. وبقي بها الملك والممالك، وأشرق بها سواد الخطب الحالك. وسطرها الله في صحائف مولانا السلطان الأعظم، المجاهد، المرابط، المثاغر، المؤيد، المظفر، المنصور، سلطان الإسلام والمسلمين، ملك البسيطة، وارث الملك، سلطان العرب والعجم والترك، محيي الدولة العباسية، ناصر الليلة المحمدية، خادم الحرمين الشريفين، ولد مولانا السلطان الشهيد، المجاهد، المرابط، الملك المنصور سيف الدين قلاون، قدس الله تعالي روحه. وآتاه فيها من النصرة ما لم يبلغه أحد، وأورثه بها ظفرا مخلدا لا يفنى وإن طال المدى والأمد. وأشبه في ثباته ووثباته أباه رضي الله عنه، والشبل في المخبر مثل الأسد. واستقر بها الدين في مهاد السكون بعد القلق، وتبدلت بها الأمة الإسلامية الأمن بعد الفرق. وأضحى بها وجه الإسلام سافرا بعد تقطيبه، وطلع بها بدر السرور كاملا بعد مغيبه. وعمت الأنام إحسانا من الله وحسنى. وعلم المؤمنون بها تحقيق قوله تعالي: وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصلحت ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليكمنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ينبغي أن يسطر فيها ما يعم ربوع السرور ويونس معاهده، ويقف عليه الغائب فيكون كمن شاهده. ويبسط ذكر هذه الغزوة المنصورة في الأقطار، ويتحقق أهل الإسلام أن لهم ملكا يناضل عن دين الله تعالى بالسمر الطوال والبيض القصار، وبسلطانة ما أغمض سيفه في جفنه إلا ليستجم لأخذ الثأر ممن ثار.
صفحة ٤٠