وجل، كلا لا يجوز أن يثبت ذلك لأنه لو ثبت قديم غيره لكان في الأزل قديمان، وإذا ثبت كون قديمين في الأزل جوز العقل أن يكون هنالك قديم ثالث أيضا، وكذا يجوز أن يكونوا ستة قدماء، وكذا يجوز أن يكونوا عشرة قدماء، وكذا يجوز أن يكون ألف وألفي قديم، وهكذا إلى مالا نهاية. فلو ثبت لك أو شيء منه، لكان كل واحد من تلك القدماء مستحقا لأن يوجه العباد إليه أعمالهم على جهة التذلل له والتقرب إليه، وهذا باطل . لما يترتب عليه من تجويز الشرك بتجويز العبادة لغير الله تعالى، بل لا يستحق العبادة إلا هو عز وجل { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } (¬1) . وهذا الإستدلال إنما يتم بتسليم أمرين :
أحدهما : هل القدم صفة لأجلها يستحق المتصف بها العبادة، وينفرد باستحقاقها عن غيره ؟
قلنا : نعم، لأن القديم الأزلي هو الذي أوجد الأشياء واخترعها وقسمها في أصنافها وأنواعها، وكلف بعضها التكاليف، فلو لم يكن قديما لكان من جنسها ومن بعض أنواعها، فلا يمتاز عنها بشيء، فلا يستحق لأن يعبد بل لا يجوز له ذلك، فبالإتصاف بالقدم امتاز عنها وبالإنفراد به استحق الإنقياد منها .
وثانيهما: هل تجويز قدماء متعددة يستلزم تجويز العبادة لغير واجب الوجود ؟
قلنا: نعم، لأنه إذا ظهر لك أن القدم هو الصفة التي امتاز بها القديم عن المحدث ولأجلها استحق ما استحق من الكمالات، وانقياد المخلوقات له، وجب أنه لو جاز أن يكون غيره متصفا بها لجاز أن تكون العبادة لغيره، فإذا يجوز الشرك به وهو باطل قطعا.
صفحة ٩٩