الأنبياء الموحى إليهم، المأمورون (¬1) بالتبليغ (¬2) على سبيل المجاز الإرسالي . وفي وصفه الكلام بالموحى إلى الإنسان تحرير لمحل النزاع على أنه سيأتي في كلامه تقسيم الكلام إلى : ذاتي وفعلي، وسيأتي أيضا بيان كل واحد منهما. فموضوع هذه المنظومة الرد على من أنكر خلق الكلام الفعلي لا على من أنكر خلق الكلام الذاتي واعترف بخلق الكلام الفعلي . فإن الكلام الذاتي غير مخلوق، بل هو غير القرآن وغير التوراة والإنجيل والزبور، وإنما هو صفة أعتبر بها نفي ضدها على ما سيأتي من بيانها، وبعض أصحابنا لم يقل بثبوت الكلام الذاتي رأسا على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وقوله فأقول أثبت كونه : أي وجوده .
وقوله أو أنفه : أي اختر أحد الأمرين .
وقوله والعقل يأبى أن يكون الثاني : فيأبى بمعنى: يمنع، والمراد بالثاني النفي المأخوذ من قوله : (أو أنفه) .
وقوله والشرع : معطوف على العقل، أي والشرع يأبى ذلك أيضا.
وقوله إذا ما أنزل الرحمن من شيء ..إلخ : إشارة إلى ما روي أن مالك بن الصيف، من أحبار اليهود ورؤسائهم، قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين ؟ فأنت الحبر السمين، قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود .
فضحك القوم، فغضب، ثم التفت إلى عمر، فقال : ( ما نزل الله على بشر من شيء ) فقال له قومه : ( ويلك! ما هذا الذي بلغنا عنك ) ؟
فقال : (إنه أغضبني) فنزعوه، وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف، فنزل في ذلك قوله تعالى { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء، قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس } (¬3) ... الآية .
صفحة ٨٨